ففي كلام الإمام ابن عيينة وشرح الطبري له، ما يدل على أن المرجئة الأولى هي طائفة من الناس كانت ترجئ أمر عثمان وعلي إلى الله، فلا تتولاهما ولا تتبرأ منهما، فهي مضادة لمن يكفرهما أو يغلو فيهما - أو أحدهما - وكذا لمن يرى تقديمهما وفضلهما ووجوب موالاتهما.
والغاية أن الإرجاء عندها ليس في مسألة الكفر والإيمان عامة، وإنما هو في الموقف من الصحابة المختلفين في الفتنة - رضي الله عنهم - خاصة. فهم مناقضون لما عليه عامة الخوارج من تكفيرهما، وما عليه عامة الشيعة من الغلو في علي والحط على عثمان أو تكفيره، وكذلك مخالفون لما عليه الجماعة في أمرهما.
ومن هنا كان طبيعياً أن تتعرض هذه الطائفة لنقد وعيب هذه الطوائف جميعاً، وكل طائفة تعيبها وتخالفها من الزاوية التي تراها مخالفة لها فيها، ومن هنا تشعب القول عن المرجئة الأولى واختلف.
فالجماعة يعدونهم من الخوارج - وهم كذلك لمن تأمله - كما قد سبق إيضاح ذلك وإثباته من واقع فرق الخوارج.
والشيعة تعدهم نواصب، ولهذا أدخلت أهل السنة عامة في مسماهم - كما سنرى - فهم يطلقون على كل من لم يغل في علي مرجئاً، إلا إذا كان يكفره فهو خارجي.
والخوارج يعدونهم مرجئة، لأنهم لم يجزموا بكفر علي وعثمان - في أول الأمر - وبالتالي لم يجزموا بتكفير مرتكب الكبيرة عامة بعد تطور النزاع على النحو الذي سبق.
وهذا ما يفسر السر في تضارب الأقوال عنهم، واختلافهم حتى أعيى الكثير من المصنفين والباحثين الجمع بينها، في حين أن من اعتمد على المصادر السلفية وحدها لا يجد أي اختلاف، وعلى هذا نسوق الشواهد:
فمن المرجئة الأولى "محارب بن دثار" قاضي الكوفة، المتوفى حوالي سنة ١١٦، يقول عنه ابن سعد:"كان من المرجئة الأولى، الذين كانوا يرجون علياً وعثمان، ولا يشهدون بإيمان ولا كفر"(١)