للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقيقة أن هذا النص يقدم لنا ما هو أعم من ذلك، وهو ردة الفعل النفسية تجاه الهزيمة.

فابن الأشعث هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندى، أحد ولاة بنى أمية أيام الحجاج، استعمله الحجاج فى الوقت الذى كانت مظالمه تملأ البلاد، وكانت الخوارج تثير الناس بذلك وتتذرع به لنشر ضلالها، وكان العلماء والصالحون حيارى بين فتنة الخوارج ومظالم الحجاج، حتى أنه لما قام بعضهم يدعو الخوارج إلى السلم والدخول فى الطاعة أنكر عليهم آخرون - على سبيل اليأس - قائلين: " إلى من تدعوهم؟ إلى الحجاج؟! " (١) .

في هذا الجو الحالك أعلن ابن الأشعث تمرده على الحجاج، ودعا الناس إلى النهوض معه لإقامة العدل ورفع الظلم وتحكيم الكتاب والسنة، وفعلا " قام معه علماء وصلحاء لله تعالى؛ لما انتهك الحجاج من إماتة وقت الصلاة، ولجوره وجبروته " (٢) .

ولم يكن معروفا عنه بدعة، وإنما هو ثائر سياسي، فرأى فيه هؤلاء العلماء والقراء منفذا بين نارين، واستعجلوا الأمر، ورفضوا ما أشار به الحسن وغيره من الصبر والدفع بالتي هي أحسن، وتجنب سفك الدماء ما أمكن - كما هو مذهب سائر أهل السنة والجماعة في مثل هذا - ولكن هذا الاندفاع والتحمس سرعان ما تبدد، وأنتج أسوأ النتائج حين ظهر الحجاج على بن الأشعث وقضى عليه، وأخذ في ملاحقة العلماء واحدا واحدا، وكان أشهرهم سعيد بن جبير الذي كان مقتله فاجعة.

وهنا برز قرن الإرجاء بين صفوف هؤلاء اليائسين المستسلمين للأمر الواقع، كما تجرأ الذين كانوا مرجئة من قبل فأعلنوا مذهبهم، واستغلوا آثار الهزيمة لنشره، كما نشط الخوارج وخلت لهم الساحة أكثر من ذي قبل وندم بقية القراء الثائرين على ما تركوا من رأي الحسن وأمثاله.

وكانت الكوفة مركز إمارة الحجاج ومصب جوره، كما كانت هدف هجمات الخوارج ومطمع قادتهم، ولهذا كان طبيعيا أن تكون أيضا بيئة الإرجاء ومركزه، لا سيما والتشيع سمة عامة لها.


(١) انظر: الطبقات (٦ / ١٩٥) بعث إليهم إبراهيم التيمى، فأنكر عليه إبراهيم النخعى.
(٢) سير أعلام النبلاء (٤ / ١٨٣) .

<<  <   >  >>