للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلا شك قام أهل السنة والجماعة وأئمة العلم بجهد مشكور لمقاومة هذه الفكرة ومحاصرتها، ولم يقدر لها انتشار عام حقيقي إلا زمن بني العباس، حين تبنت الدولة رسميا مذهب أهل الرأي؛ الذي يدين فقهاؤه بهذه العقيدة كما سنرى (١) ، ومع ذلك صمد لها أهل السنة، ولا سيما الإمام أحمد وتلميذه أبو داود، ثم سار على منهجه علماء النقد والرجال وغيرهم.

وإن مما يعطينا تحديدا أدق لتاريخ هذه الفرقة وانتشارها، وفي الوقت نفسه موقف أهل السنة والجماعة منها، أن نستعرض بعض أقوال الأئمة المعاصرين لنشوئها فيها:

١- إبراهيم النخعي:

التابعى المشهور، فقيه الكوفة الأكبر فى عصره، ومن تلاميذه كان مرجئة الفقهاء، وقد عاصر تلك الأحداث، وتوفى بعد الحجاج، ببضعة أشهر سنة ٩٦ هجرى باتفاق (٢) .

ومن أقواله فيهم:

" الإرجاء بدعة ".

" إياكم وأهل هذا الرأى المحدث " - يعنى الإرجاء -.

وكان رجل يجالس إبراهيم يقال له محمد، فبلغ إبراهيم أنه يتكلم فى الإرجاء، فقال له إبراهيم: " لا تجالسنا ".

" ودخل عليه قوم من المرجئة فكلموه، فغضب وقال: إن كان هذا كلامكم فلا تدخلوا علي ".

وقال: " تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابرى ".

وقال له بعض تلاميذه: " إنهم يقولون لنا: مؤمنون أنتم؟ وقال: إذا سألوكم فقولوا: «ءامنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ... » إلى آخر الآية " (٣) .

وقال: " لفتنتهم عندي أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة ".


(١) حتى أصبح يطلق على هذا النوع من الإرجاء " إرجاء الخفية ".
(٢) انظر: الطبقات (٦ / ١٩٩)
(٣) الطبقات (٦ / ١٩١)

<<  <   >  >>