للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي آيات كلها - كما ترى - أوامر سريعة متلاحقة، تأمر بالمبادرة والمفاصلة والصبر، وتنقل صاحب الشأن من هدأ الروع النفسي إلى ميدان الإنذار الأكبر للعالم أجمع.

ومنذ أن نزلت «قم فأنذر» قام صلى الله عليه وسلم قياماً جهادياً متواصلاً دائباً، نازل به قومه والعرب قاطبة، واليهود ثم الإمبراطورية الرومانية ...

فكان كما قال صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على من خالفني.." (١)

٣- بعد ذلك - وما هو منه ببعيد - نزل الأمر بالقيام مرة أخرى ومعه مهام جديدة، فقد نزل مطلع سورة المزمل:

«يا أيها المزمل (١) قم الليل إلا قليلا (٢) نصفه أو انقص منه قليلا (٣) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا (٤) إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً (٥) إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلاً (٦) إن لك في النهار سبحاً طويلاً (٧) واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا (٨) رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً (٩) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً (١٠) وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلاً (١١) إن لدينا أنكالاً وجحيماً ... » الآيات.

وهذه السورة تعطي - أبرز ما تعطي - الزاد الأصيل الذي لابد منه لمن يريد حمل هذه الدعوة ومقارعة العالمين بها، ذلك هو زاد الصلة القوية بالله، والتزكية الروحية بالتقرب إليه، ومناجاته في أرجى ساعات المناجاة وأصفاها.

وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم - كالعادة - وتزود بهذا الزاد الزكي، وشاركه في ذلك صحبه الكرام.

فقد روى الإمام أحمد ومسلم - رحمهما الله - من حديث سعد بن هشام - ضمن قصة جديرة بالإطلاع أنه سأل عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: "ألست تقرأ يا أيها المزمل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً،


(١) سبق تخريجه قريباً، ص ٣١.

<<  <   >  >>