للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة" (١) .

وفي روايات لغيرهما أنهم قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم أو انتفخت (٢) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر على ذلك ـ التزاماً من عند نفسه - فكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً" (٣) .

٤- وصدع رسول الله بالدعوة، وسفه أحلام المشركين وعاب آلهتهم، فثارت عليه قريش ثورة رجل واحد، وأثارت معها العرب قاطبة، ولقي صلى الله عليه وسلم من الأذى والبلاء صنوفاً وألواناً. من ذلك ما رواه عروة بن الزبير رضي الله عنه حين قال: "سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل إليه أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله" (٤) .

٥- ومشهد آخر للأذى التي تتورع عنه النفوس الطاغية الدنيئة يرويه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ وهو "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس؛ إذ قال بعضهم لبعض: أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فجاء به، فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه - وأنا أنظر لا أغني شيئاً، لو كانت لي منعة! - قال: فجعلوا يضحكون ويحيل - أو يميل -، بعضهم على بعض" (٥)

٦- هذا عدا الأذى الأكبر من تكذيبه وهو الناصح الأمين، والإعراض عنه وهو النذير المبين بين يدي عذاب شديد، وعدا ما افتراه عليه قومه ونبزوه من ألقاب الزور؛ كقولهم: إنه شاعر أو كاهن أو مجنون، أو يتلقى


(١) مسلم رقم (٧٤٦) ، المسند (٦/٥٣- ٥٤) .
(٢) هذه الروايات جمعها ابن كثير عند تفسير هذه السورة (٨/٢٨٠- ٢٨٨) .
(٣) البخاري (٨/٥٨٤) ..
(٤) البخاري (٧/١٦٥) ، ونقل الحافظ عن غيره روايات فيها تفصيلات أكثر.
(٥) الفتح (١/٣٤٩) .

<<  <   >  >>