للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحي عن بعض الأعجمين، أو اكتتبه من أساطير الأولين وأعانه عليه قوم آخرون، وغير ذلك مما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز، وهو بلا شك أشد وقعاً على النفوس البريئة من ضرب السيوف ووقع النبال.

ولهذا طمأنه ربه وصبره وسلاه فقال: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا» (١) ، أي مهلكها بالحزن والأسف.

وقال: «أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» (٢) .

وقال: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» (٣) .

٧ - وقد حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن مشهد من مشاهد الأسى القاتل والأسف البالغ حين يبلغ الحد بالإنسان أن ينسى نفسه في غيبوبة الهم والحزن، قالت عائشة رضي الله عنها، يا رسول الله: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟

قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل (٤) ، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ، ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال


(١) [الكهف:٦]
(٢) [فاطر:٨]
(٣) [الأنعام:٣٣]
(٤) هذا الحديث يدل على نزول الملائكة في السحاب، وقد ورد ذلك صريحاً في حديث عائشة رضي الله عنها؛ "أن الملائكة تنزل في العنان - وهو السحاب - فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع، فتسمعه، فتوجه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم": (٦/٣٠٤) . وهذا يبين أن استماع الشياطين لا يستلزم صعودها إلى جرم السماء نفسه. والله أعلم.

<<  <   >  >>