للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً" (١) .

٨ - وقد عاني أصحابه رضي الله عنهم أشد المعاناة، وما تعذيب آل بلال وآل ياسر إلا نماذج من ذلك، بل إن الأذي يصل إلى أشراف القوم من أمثال الصديق رضي الله عنه.

ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفث في أرواحهم الأمل، ويذكرهم بسنة الله في أنبيائه والدعاة إليه على النحو الذي رأيناه مع ملك الجبال.

فقد روى البخاري في باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين عن خباب رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة - وقد لقينا من المشركين شدة - فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه (٢) فقال: "لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله - زاد بيان - والذئب على غنمه" (٣) .

٩ - وبلغ الأذى قمته في الحصار المادي والمعنوي الذي ضربته قريش ظلماً وعدواناً على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن عطف عليهم من قرابتهم.

قال الزهري: "ثم إن المشركين اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتد عليهم البلاء، واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية.

فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حمية، ومنهم من فعله إيماناً ويقيناً، فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على ذلك، اجتمع المشركون من قريش، فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى


(١) العجيب أنه في لحظة إفاقته من هذا الموقف الكريب ترتقي نفسه الكريمة إلى أعلى درجات التسامح والعفو والأمل، فلله من نفس ما أكرمها، ومن خلق ما أعظمه. والحديث في الفتح (٦/٣١٣) .
(٢) اختلف الشراح في سبب احمرار وجهه صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن سببه التأثر في استعجال الصحابة رضي الله عنهم للنصر المشعر باستيطائهم لوعد الله مع ما أمروا من الصبر واليقين.
(٣) (٧/١٦٥) .

<<  <   >  >>