للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخذوا من أهل السنة عن أحكام المرتدين وتاركي الدين كله أو بعض أركانه أو بعض واجباته، وتعرض فاعل ذلك للوعيد ونحو ذلك، ... حتى إن الواحد من أصحاب هذا المنهج ربما يكتب بما يوافق الجهمية - باعتباره متكلما -، فإذا كتب باعتباره فقيها ذكر كلام علماء السنة ونقل أقوالهم كأي فقيه منهم!!

على أن هذا الحكم لم يخرجوا به نتيجة توسطهم في هذه المسألة بمفردها، بل هو مقرون ومرتبط بتوسطهم في

مسألة أكثر شهرة في التاريخ، وهي مسألة خلق القرآن.

وبيان ذلك: أن مسألة خلق القرآن كانت أشهر المسائل الخلافية وأعظمها (١) وبها امتحنت الأمة كلها وتعرض علماؤها شرقاً وغرباً للأذى والسجن والقتل، وشغلت أذهان الناس وأوقاتهم وعلومهم وكتبهم، وكان الخلاف فيها حاسماً واضحاً بين فريقين:

١ - علماء الأمة قاطبة؛ وهم مجمعون على ما كانت عليه الأمة قبل هذه البدعة من اعتقاد أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق.

٢ - الفرقة الكلامية الشاذة ومعها السلطة الغاشمة؛ ورأيها أن القرآن مخلوق.

ورغماً عما نزل من البلاء والزلزلة والفتنة ثبتت الأمة وانتصرت في النهاية تبعا لثبات الإمام أحمد رضي الله عنه، وانتصر منهج الوحي انتصاراً حاسماً، واندحرت أفاعي الابتداع، وكمنت شياطين المكر بذلة. ولكن المنهج التوفيقي لم يدع فرحة الأمة بالنصر تتم وتماسكها على الحق يكمل، فقد نبغ دعاته - وعلى رأسهم عبد الله بن سعيد بن كلاب (٢) - برأي توفيقي مبتدع لم يقل به أحد من الفريقين المتخاصمين وهو أن كلام الله نوعان:

أ - نفسي: وهو صفة أزلية قديمة قائمة بالنفس، وهذا غير مخلوق (موافقة لأهل السنة) .


(١) وإن لم تكن هي الوحيدة في الفتنة، بل هي مثال بارز للخلاف بين منهجين متناقضين (منهج الوحي ومنهج الهوى) ، وقد جرت المناظرة بين الإمام أحمد وبين رؤوس المبتدعة المؤيدين بالسلطة في مسائل أخرى غيرها، وكان الإمام يرد القضية كلها إلى أصل واحد وهو الإتيان بدليل من الكتاب والسنة وأقوال السلف في حين كان أولئك يمارون بالعقليات ويجادلون بالمتشابهات.
(٢) المعروف بالقطان

<<  <   >  >>