للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الموقف تجلى بوضوح في المسألة المهمة لنا هنا وهي مسألة الإيمان، وبخاصة " العمل ".

فقد ظهر أصحاب المنهج التوفيقي والخلاف في المسألة دائر بين فريقين:

١ - الأول: الأمة كلها - تقريباً - غير أنها كانت على مذهبين:

أ - الغالبية العظمى: وهم متمسكون بما أجمعت عليه القرون المفضلة، وصرحت به نصوص الوحي القطعية من أن الإيمان قول وعمل - على ما سبق شرحه -.

ب - طائفة معدودة من الفقهاء تتفق مع الأولى في أهمية العمل ووجوبه فضلا عن اتفاقها معها في أن من لم يقر بالإيمان بلسانه أو لم يقم بقلبه شيء من أعماله (كالرضا واليقين والصدق والإخلاص) كافر لا إيمان له، ولكن انقدحت لديهم شبهة في كون الأعمال - أعمال الجوارح - تدخل في مسمى الإيمان، وفهموا خطأ أن القول بزيادته ونقصانه موافق لقول الخوارج، ولهم على ذلك تأويلات وتعللات.. وهؤلاء هم المسمون مرجئة أهل السنة أو مرجئة الفقهاء (١) .

٢ - الفريق الآخر: غلاة المرجئة، وهم الجهمية - حينئذ - ومن شابههم، ولهم في الإيمان قول اتفقت الأمة على شذوذه وعدم الاعتداد به، وعدم اعتباره في الخلاف (٢) ، بل أخرجهم أئمة الإسلام الكبار من فرق الأمة الثنتين والسبعين الضالة، وعدوهم أكفر من اليهود والنصارى والمجوس لمسائل ذهبوا إليها منها هذه المسألة.

فقد كان مذهبهم في الإيمان أنه مجرد المعرفة بالقلب؛ فكل من عرف الله بقلبه فهو عندهم مؤمن تام الإيمان (٣) أي وإن لم يعمل.

فلما ظهر دعاة المنهج التوفيقي التوسطي وطبقوا منهجهم في التوفيق بين هذه المذاهب، أخذوا من الجهمية أن الإيمان محله القلب وحده وأنه يقع " كاملا " فيه، وأن النطق بالشهادة فضلاً عن سائر الأركان غير داخل فيه وإنما هو شرط ظاهري فقط، أي شرط لإجراء أحكام الإسلام الظاهرة على قائله!!


(١) السابق تفصيل مذهبهم
(٢) كما فعل أبو عبيد والطبري والملطي ونقلوا، وقد سبق تفصيله.
(٣) ولهذا ألزمهم أهل السنة بالقول بإيمان إبليس وفرعون وأهل الكتاب.. وكل من دلت النصوص على أنه يعرف الله بقلبه!!

<<  <   >  >>