للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمرضي عندنا أن حقيقة الإيمان: التصديق بالله تعالى؛ فالمؤمن بالله من صدقه، ثم التصديق على التحقيق كلام النفس (١) ، ولكن لا يثبت إلا مع العلم، فإنا أوضحنا أن كلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد " (٢) .

ثم قال: " وقد يشهد لما ذكرناه إجماع على افتقار الصلوات ونحوها من العبادات إلى تقديم الإيمان، فلو كانت أجزاء من الإيمان لامتنع إطلاق ذلك (٣) .

فإن استدل من سمى الطاعات إيماناً بقوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»

قالوا: المراد بذلك - أي الإيمان - الصلوات المؤداة إلى بيت المقدس (٤) .

وربما يستدلون بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وتسعون (٥) خصلة، أولها شهادة أن لا إله إلا الله، وآخرها إماطة الأذى عن الطريق) .

قلنا: أما الإيمان في الآية التي استروحتم إليها فهو محمول على التصديق، والمراد: وما كان الله ليضيع تصديقكم نبيكم فيما بلغكم من الصلاة إلى القبلتين (٦) !! وأما الحديث فهو من الآحاد (٧) ، ثم هو مؤول (٨) ، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا دل عليه أو كان منه بسبب (٩) " (١٠)


(١) انظر مشابهته الواضحة لمذهب جهم مع تعديل الألفاظ، وسيأتي بسط ذلك.
(٢) الإرشاد ص ٣٩٦ - ٣٩٧.
(٣) السلف يشترطون صحة إيمان القلب لصحة عمل الجارحة، والإيمان حقيقة عندهم مركبة منهما، وما المانع من تقدم بعض أجزاء الشيء على بعض.
(٤) كلامه يوهم أن المستدلين هم الخوارج - كما في مذهبهم رقم ١ - والواقع أنهم السلف، وقد سبق نقل ذلك.
(٥) كذا فيه، ومع قلة بضاعة الجويني في الحديث أرى أن الخطأ من المحقق الذي رجح هذه على ما في النسخ الأخرى (انظر هامشه) .
(٦) وهذا باطل، لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يخافوا ضياع تصديقهم فهو ثابت في الحالين، وإنما خافوا ضياع صلاتهم إلى القبلة الأولى.
(٧) هذا أصل كبير من أصول الضلال ينبني عليه رد أكثر السنة، والجويني هنا وفي سائر كتبه ينقل عن الجهم. والجبائي والفلاسفة وغيرهم، فهل وصله كلامهم تواترا أم أنه لا يشترط التواتر إلا في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام غيره مقبول آحاده ومتواتره؟!
(٨) هذا أصل آخر كسابقه، وما رأينا الجويني أول كلام أحد من الفلاسفة أو المبتدعة وصرفه عن ظاهرة، فلماذا تأويل النصوص فقط؟!
(٩) ١٠) يريد بذلك أنه "مجاز" وهو أصل منهجهم البدعي؛ لأن مرادهم به تحريف النصوص وإبطال ظواهرها.
(١٠) ١١) (١١) الإرشاد ص ٣٩٨ - ٣٩٩

<<  <   >  >>