للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول الكمال بن الهمام - من أئمة الحنفية المتأخرين - في كتابه الذي ألفه على منوال الرسالة القدسية للغزالي:

" اختلفوا في التصديق بالقلب الذي هو جزء مفهوم الإيمان أو تمامه (١) أهو من باب العلوم والمعارف أو من باب الكلام النفسي؟ فقيل بالأول، ودفع بالقطع بكفر كثير من أهل الكتاب مع علمهم بحقية رسالته عليه الصلاة والسلام وما جاء به، كما أخبر عنهم تعالى بقوله:

«الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون» [البقرة: ١٤٦] .

وبأن الإيمان مكلف به، والتكليف إنما يتعلق بالأفعال الاختيارية، والعلم مما يثبت بلا اختيار، كمن وقعت مشاهدته على من ادعى النبوة وأظهر المعجزة فلزم نفسه عند ذلك العلم بصدقه.

وذهب إمام الحرمين وغيره إلى أنه من قبيل الكلام النفسي.

قال صاحب الغنية: اختلف جواب أبي الحسن - أي الأشعري - في معنى التصديق؛ فقال مرة: هو المعرفة بوجوده وإلهيته وقدمه، وقال مرة: التصديق قول في النفس غير أنه يتضمن المعرفة ولا يصح دونها، وارتضاه القاضي - أي الباقلاني -؛ فإن التصديق والتكذيب والصدق والكذب بالأقوال أجدر، ثم يعبر عن تصديق القلب باللسان (٢) . انتهى.

قال: وظاهر عبارة الشيخ أبي الحسن أنه كلام النفس مشروط بالمعرفة، ويحتمل أنه من المجموع من المعرفة وذلك الكلام النفسي.

فلا بد في تحقيق الإيمان من المعرفة - أعني مطابقة دعوى النبي للواقع - ومن آخر هو الاستسلام والانقياد لقبول الأوامر والنواهي المستلزم للإجلال وعدم الاستخفاف (٣) ، لما ذكرنا من ثبوت مجرد تلك المعرفة مع قيام الكفر.

قال: ثم جعل بعض أهل العلم الاستسلام والانقياد الذي هو معنى الإسلام داخلا في معنى التصديق، وأطلق بعضهم اسم المترادف على الإسلام والإيمان (٤) .


(١) أي على القولين في ذلك بحسب اعتبار النطق شطرا أو شرطا كما سيأتي.
(٢) كما قالوا في كلام الله تعالى! فالقرآن عندهم تعبيرا أو حكاية عن القول النفسي.
(٣) هذا هو المراد بالانقياد عندهم، وليس العمل والامتثال بالجوارح.
(٤) أى بناء على دخول الإسلام في معنى التصديق، ومن هنا يظهر مخالفته لقول أهل السنة والجماعة، سواء في أصل حقيقة كل من الإسلام والإيمان أو في ترادفهما وتلازمهما.

<<  <   >  >>