للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك لو قيل: أن رجلا يشهد أن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا، وقد طلب منه ذلك، وليس هناك رهبة ولا رغبة يمتنع لأجلها، فامتنع منها حتى قتل، فهذا يمتنع أن يكون فى الباطن يشهد أن محمدا رسول الله، ولهذا كان القول الظاهر من الإيمان الذى لا نجاة للعبد إلا به عند عامة السلف والخلف من الأولين والآخرين إلا الجهمية - جهما ومن وافقه - (وهم الأشاعرة كما ذكر قبل ذلك فى أول الفصل) .

وقال: (فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطنا وظاهرا عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها، وذهبت طائفة من المرجئة - وهم جهمية المرجئة كجهم والصالحي واتباعهما - (وهم من ذكرنا) إلى أنه إذا كان مصدقا بقلبه كان كافرا فى الظاهر دون الباطن، وقد تقدم أن الإيمان الباطن يستلزم الإقرار الظاهر بل وغيره، وأن وجود الإيمان الباطن تصديقا وحبا بدون الإقرار الظاهر ممتنع " (١)

فإذا تبين أن قول: لا إله إلا الله إنشاء للالتزام بقول القلب وعمله وتحقيقهما، فلنوضح هذه القضية المهمة قائلين:

إن القلب: هو متعلق التوحيد الخبري الاعتقادى

وعمل القلب: وهو متعلق التوحيد الطلبي الإرادي.

فإن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر يتضمن توحيد الأسماء والصفات، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فى كل ما أخبر عن ربه من الكتب وما فيها، والملائكة وأعمالهم وصفاتهم، والنبيين ودعوتهم وأخبارهم، وأحوال البرزخ والآخرة، والمقادير وسائر المغيبات.

فالإقرار بهذا والتصديق به مجملا أو مفصلا هو قول القلب، وهو التوحيد الخبرى الاعتقادى.

وعمل القلب - الذى سيأتى تفصيل طرف منه فى البحث التالى - يتضمن توحيد الله عز وجل بعبادته وحده حبا وخوفا ورجاء ورغبة ورهبة وإنابة وتوكلا


(١) الإيمان الأوسط ص ١٥١

<<  <   >  >>