وخشوعا واستعانة ودعاء وإجلالا وتعظيما وانقيادا، وتسليما لأمره الكونى وأمره الشرعى، ورضا بحكمه القدرى والشرعى، وسائر أنواع العبادة التي صرفها لغير الله شرك (١) .
وهذان هما نوعا التوحيد الذى جاءت به الرسل وأنزل الله به الكتب، وشهادة أن لا إله إلا الله - التي هى رأس الأعمال وأول واجب على العبد - إنما هى إنشاء للالتزام بهذين النوعين ومن ثم سميت كلمة التوحيد، ومن هنا كان أجهل الناس بالتوحيد من ظن أن المطلوب بقول: لا إله إلا الله هو التلفظ بها باللسان فقط.
وقد سبق فى فصل " حقيقة النفس الإنسانية " ما يدل على أن كل عمل من أعمال الإنسان الظاهرة - على اللسان أو الجوارح - لا بد أن يكون تعبيرا عما فى القلب وتحقيقا له ومظهرا لإرادته وإلا كان صاحبه منافقا النفاق الشرعى أو العرفى وأخص من ذلك العبادات، فكل عبادة قولية وفعلية لا بد أن يقترن بها من عمل القلب وما يفرق بينها وبين أفعال الجمادات أو الحركات اللاإرادية أو أفعال المنافقين.
فما بالك برأس العبادات وأعظمها، بل أعظم شئ فى الوجود، الذى يرجح بالسموات والأرض وعامرهن غير الله تعالى: وهى شهادة أن لا إله إلا الله؟!
ولهذا يتفاوت قائلوا هذه الكلمة تفاوتا عظيما بحسب تفاوت ما فى قلوبهم من التوحيد.
فلولا تفاوت أقوال القلوب وأعمالها - ولو أن المراد من كلمة الشهادة هو نطقها - لما كان لموحد فضل على موحد ولما كان لصاحب البطاقة - الآتى حديثه - فضل على سواه من قائليها، ولما كان لقائلها باللسان فضل عن قائلها بالقلب واللسان، ولما كان لمن قالها من خيار الصحابة السابقين فضل عن من قالها يتعوذ بها من السيف فى المعركة.
وانظر إلى هذا الحوار بين العزيز الحكيم وبين عبده موسى الكليم، حيث (قال موسى: يا رب علمنى شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال كل عبادك يقولون هذا!!! - زاد في رواية: إنما أريد أن تخصني به
(١) كما يتضمن عمل القلب أعمالا دون ذلك مما افترضها الله وجعلها من واجبات الإيمان، كمحبة المؤمنين والنصح لهم، والتواضع، والشفقة، واجتناب الكبر والحسد، ونحو ذلك.