قال: يا موسى، لو أن السموات السبع - وعامرهن غيرى - والأرضون السبع فى كفة، ولا إله إلا الله فى كفه مالت بهن لا إله إلا الله " (١)
فكل المسلمين يقولون (لا إله إلا الله) ، ولكن ما قائل كقائل، لأن ما فى القلوب يتفاوت مثل تفاوت السماوات والأرض، والذرة التي لا تكاد ترى.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: " اعلم أن أشعة (لا إله إلا الله) تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدرة قوة الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها فى ذلك النور قوة وضعفا لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس: نور هذه الكلمة فى قلبه كالشمس، ومنهم: من نورها فى قلبه كالكوكب الدرى، ومنهم: من نورها فى قلبه كالمشعل العظيم، وأخر: كالسراج المضىء، وأخر كالسراج الضعيف.
ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار، بحسب ما فى قلوبهم من نور هذه الكلمة، علما وعملا، ومعرفة وحالا.
وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنبا إلا أحرقه، وهذا حال الصادق فى توحيده الذى لم يشرك بالله شيئا فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته فلا ينال منها السارق إلا على غرة وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سرق منه استنفذه من سارقه، أو حصل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبدا من لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزانته وولى الباب ظهره ".
" وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شىء ومليكه - كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له وكمال الانقياد لطاعته، واخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع، والعطاء، والحب، والبغض - ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصى والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبى صلى الله عليه وسلم:" إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله " وما جاء من
(١) فى سنده رجل ضعيف عند أبن حبان رقم (٢٣٢٤) ، لكن روى الإمام أحمد بسند صحيح ما يشهد له من حديث نوح عليه السلام وأبنه، المسند (٢/١٦٩) .