هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود وقال: المعنى لا يدخلها خالدا، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة ".
" والشارع - صلوات الله وسلامه عليه - لم يجعل ذلك حاصلا بمجرد قول اللسان فقط، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها فى الدرك الأسفل من النار، فلا بد من قول القلب وقول اللسان.
وقول القلب: يتضمن معرفتها، والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنه من النفى والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب، علما ومعرفة ويقينا وحالا - ما يوجب تحريم قائلها على النار، وكل قول رتب الشارع ما رتب عليه من الثواب، فإنما هو القول التام - كقوله صلى الله عليه وسلم:" من قال فى يوم: سبحان الله وبحمده مائه مرة خطت عنه خطاياه - أو غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر " وليس هذا مرتبا على مجرد اللسان.
نعم من قالها بلسانه، غافلا عن معناها، معرضا عن تدبرها، ولم يواطئ قلبه لسانه، ولا عرف قدرها وحقيقتها، راجيا من ذلك ثوابها حطت من خطاياه بحسب ما فى قلبه، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما فى الصف واحدا وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.
وتأمل حديث البطاقة التي توضع فى كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب.
ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذى ثقل بطاقة ذلك الرجل، وطاشت لأجله السجلات، لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والرزانة.
وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى فانظر إلى ذكر من قلبه ملآن بمحبتك، وذكر من هو معوض عنك غافل ساه، مشغول بغيرك، قد انجذبت دواعي