للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلبه إلى محبه غيرك وإيثاره عليك، وهل يكون ذكرهما واحدا؟ أم هل يكون ولداك اللذان هما بهذه المثابة، أو عبداك، أو زوجتاك، عندك سواء؟

وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية، وحملته - وهو في تلك الحال - على أن جعل ينوء بصدره ويعالج سكرات الموت. فهذا أمر أخر، وإيمان أخر. ولا جرم أن ألحق بالقرية الصالحة وجعل من أهلها.

وقريب من هذا: ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش يأكل الثرى، فقام بقلبها ذلك الوقت - مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها - ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء فى خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف، وحملها خفها بفيها وهو ملآن، وحتى أمكنها الرقى من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذى جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب، ومن غير أن ترجو منه جزاء ولا شكورا، فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها.

فهكذا الأعمال والعمال عند الله، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي، الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهبا والله المستعان" (١)

وقد فصل شيخ الإسلام معنى الإقرار والشهادتين واستلزام ذلك للعمل والانقياد بكلام نفيس سنورده - أو بعضه - في مبحث التولي عن الطاعة - بإذن الله - من الباب الخامس (٢) .

أهمية عمل القلب

القلب هو موضع الإيمان الأصلي، وإيمانه أهم أجزاء الإيمان، ومن هنا كان قوله وعمله هو أصل الإيمان الذي لا يوجد بدونه مهما عملت الجوارح من الإيمان، ولا خلاف بين عقلاء بنى آدم في أن كل حركة بالجارحة لا تكون إلا بإدارة قلبية، وإلا فهي من تصرفات المجانين أو حركات المضطرين فاقدي الإرادة.


(١) مدارج السالكين.
(٢) وذلك في الصارم المسلول ص ٥١٨ - ٥٢٢

<<  <   >  >>