للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه النصوص تدل على أن القلب هو الأصل، وأن إيمانه هو جزء الإيمان الأساس الذى يقوم عليه الجزء الظاهر ويتفرع منه، ويرتبط به ارتباط العلة بالمعلول، بل ارتباط أجزاء الحقيقة الواحدة الجامعة، ومن هنا لم يسم المنافق مؤمنا قط وإن كثر عمل جوارحه بالجهاد والصلاة.

بل المؤمن المجاهد إذا نوى بجهاده طلب الدنيا أو الرياء حبط عمله وتبدلت المثوبة فى حقه عقوبة وعذابا، وهذا ما يدل على أهمية عمل القلب، وقد سبق تفصيل لذلك فى فصل حقيقة النفس الإنسانية.

ومن العجيب أن المرجئة استدلت ببعض الأدلة السابقة على إن الإيمان هو مجرد التصديق القلبى، وأن أعمال الجوارح - بل بقية أعمال القلب - ليست من الإيمان، فهذا هو ذا "الإيجي" في "المواقف" يذكر مذهب أصحابه الأشاعرة: وهو أنه التصديق، ومذهب الماتريدية، وهو أنه التصديق مع الكلمتين، ويذكر "مذهب السلف وأصحاب الأثر: أنه مجموع هذه الثلاثة، فهو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان ".

ثم يقول فى الانتصار لمذهبه: " لنا وجوه (١) :

الأول: الآيات الدالة على محلية القلب للإيمان نحو: «أولئك كتب في قلوبهم الإيمان» ، «ولما يدخل الإيمان في قلوبكم» ، «وقلبه مطمئن بالإيمان» .

ومنه الآيات الدالة على الختم على القلوب، ويؤيده دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: " اللهم ثبت قلبي على دينك" وقوله لأسامة - وقد قتل من قال لا إله إلا الله -: "هلا شققت عن قلبه" (٢) .

والرد عليهم واضح، فإن النصوص الدالة على الجزء الباطن من الإيمان لا تنفى وجود الجزء الظاهر - لا سيما ولهذا الجزء نصوص مماثلة - وغاية ما فيها بيان أن إيمان القلب هو الأصل والأساس لإيمان الجوارح كما تقدم.


(١) انظر إلى تصريحه بمذهب السلف وأصحاب الأثر ثم تصريحه بمخالفه أصحابه، ومع هذا يزعم معاصروهم أنهم أهل السنة والجماعة أو منهم!!
(٢) ص ٣٨٥، ثم ذكر وجهين آخرين الرد عليهما واضح، وسيأتى فى بابه.

<<  <   >  >>