للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نماذج من أعمال القلوب

ونبدأ ذلك ببيان موجز لما تعرض له عمل القلب من إعراض أو إسقاط أو خفاء لدى الأمة الإسلامية فى عصور الانحراف، فنقول:

١ - المتكلمون:

وهؤلاء أهملوا أعمال القلوب بالكلية جاعلين الإيمان قضية عقلية بحتة، ولم يثبتوا من أعمال القلب سوى التصديق الخبرى الذى هو فى الحقيقة أشبه بالعمل الذهنى الخالص - وإن نسبوه للقلب.

وأصل هذا المذهب هو ذلك المبتدع الضال " الجهم بن صفوان " (١) والمؤسف جدا أن أكثرية متكلمى الأمة - وهم الأشاعرية والماترية - اعتنقوا هذا المذهب مع إطباق أئمة السلف العاصرين لنشأته على تكفير جهم وأصحابة، واعتبار الجهمية فرقة خارجة عن فرق أهل القبلة الثلاث والسبعين (٢) .

ومن أغرب التناقضات عند هؤلاء أن يكون مت نقله أبو الحسن الأشعرى نفسه فى المقالات عن جهم والصالحى وبشر المريسى اليهودى هو ذات عقيدتهم التي صرح بها الباقلانى والجوينى وسائر أئمتهم إلى الإيجى ومن جاء بعده.

وليس هذا موضع المقارنة بين الجهمية والأشاعرية، وحسبنا إن ننقل مذهب جهم كما سطره الأشعرى نفسه، ثم نقارنه بكلام أكبر أئمة الأشاعرة المتقدمين وناشر مذهبهم (٣) - القاضى الباقلانى.

يقول الأشعري في أول حديثه عن فرق المرجئة واختلافهم: " فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط، وان ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب


(١) وقد أشار الإمام ابن جرير إلى فرقة أخرى تنكر عمل القلب، وبمراجعة فرق المرجئة فى "المقالات" وجدت أنها الغسانية، انظر: ص ٢٨٤. وانظر تهذيب الآثار (٢/١٩٩) والمقالات ١/١٣٧
(٢) انظر كتاب الايمان لأبي عبيد.
(٣) انظر تبيين كذب المفتري.

<<  <   >  >>