للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل كم بين إسلام سلمان - الذي قضي السنين الطوال بحثا عن الدين الحق وانتقل من خدمة راهب إلى آخر حتى وقع في الرق، وبلغه خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على النخلة، فكاد يسقط فرحا وشوقا (١) - وبين إسلام المؤلفة قلوبهم من جفاه الأعراب الذين دخلوا في الإسلام بذل ذليل.

ومن هنا كانت المحبة أصل أعمال القلوب، وشرطاً من شروط لا اله إلا الله، " فان الإسلام هو الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله، فمن لا محبة له لا إسلام له البتة، بل هي حقيقة شهادة إن لا اله إلا الله، فان " الإله " هو الذي يألهه العباد حبا وذلا وخوفا ورجاء وتعظيما وطاعة له، بمعنى "مألوه" وهو الذي تألهه القلوب، أي تحبه وتذل له.

وأصل " التأله " التعبد، والتعبد آخر مراتب الحب، يقال: عبده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبة.

فالمحبة حقيقة العبودية، وهل تمكن الإنابة بدون المحبة والرضا والحمد والشكر والخوف والرجاء؟ وهل الصبر في الحقيقة إلا صبر المحبين؟ (وهل التوكل إلا توكل المحبين) (٢) ، فإنه إنما يتوكل علي المحبوب في حصول محابه ومراضية.

وكذلك الزهد في الحقيقة هو زهد المحبين فانهم يزهدون فيما سوي محبوبهم لمحبته، وكذلك الحياء في الحقيقة إنما هو حياء المحبين، فانه يتولد من بين الحب والتعظيم، وأما ما لا يكون عن محبة فهو خوف محض " (٣) .

وهكذا في سائر أعمال القلب التي لا يكون العبد شاهدا أن لا اله إلا الله بدونها.

وقد جعل الله تعالى إخلاص المحبة فرقانا بين المؤمنين والكافرين، فمن أشرك مع الله غيره في المحبة وسواه به فهو المشرك المتخذ من دون الله ندا معبودا، فضلا عمن خلا قلبه من محبة الله ورسوله ودينه بالمرة وكره ذلك، فهذا كافر كفر إبليس وفرعون، مهما كان في قلبه من " تصديق " مجرد.


(١) انظر قصة إسلام سلمان في الفتح.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) المدارج ٣ / ٢٦.

<<  <   >  >>