وهذا بخلاف اتباع طواغيت الحكم والقهر، فان شبهة الإكراه في حقهم واضحة، والله تعالي لم يخبر عن فرعون وامثاله إن قومه اتخذوه ربا وعبدوه كما اخبر عن الأحبار والرهبان، وإنما اخبر انه هو ادعي الربوبية. وأما قوله تعالي: (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) ، فمعناه خاضعون خضوعا لا يلزم منه المحبة والتعظيم، بل كانوا يسمونهم سوء العذاب ويذبحون أبناءهم ويستحيون نسائهم. فاتباع طواغيت القهر المرتدين - دعوى الإكراه منهم أو الأعذار به من غيرهم لها وجه، لان تسلطهم وجبروتهم يستدعي إن يقدم الاتباع لهم الطاعة والذل وإظهار الموافقة، مع احتمال إبطان الكره والبغض، ولهذا قد تنتهي العبودية لهم بانتهاء دولتهم، كما حصل في مصر حين حكمها صلاح الدين، فانتقل أهلها من إظهار الرفض والزندقة إلى الإسلام والسنة دون عناء، فتكفير هؤلاء الاتباع مطلقا غلو وإسراف. أما من جمع منهم بين المحبة والذل والتعظيم للطواغيت، فهذا موافق لهم علي ردتهم وحكمه حكمهم بلا خفاء، ولكن معرفة ذلك علي الحقيقة ليست بالأمر اليسير بالنسبة لكل أحد من الاتباع، لاشتباهه واختلاطه بمن يتبعهم هوى وشهوة والمقصود بيان إن ما جاء في كتابات بعض الدعاة المعاصرين في هذه القضية من إطلاق التسوية بين الطائفتين من الاتباع يجب تقييده، وان قياسهم الشعوب الإسلامية علي الاتباع والمستضعفين من الكفار، الذين ذكر الله مناظرتهم لمتبوعيهم في النار، وبراءتهم منهم حين لا تنفع البراءة - قياس فيه غلو وإسراف نعم هؤلاء الاتباع مسؤولون ومؤاخذون كل بحسبه، ولكن التكفير بالجملة والعموم أمر آخر.