للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا جاء أعظم الغيبيات - بعد الإيمان بالله - وهو الإيمان بالآخرة مقرونا باليقين أكثر مما سواه، فقال تعالى: «وبالآخرة هم يوقنون» في أول البقرة والنمل ولقمان.

فإن الإيمان بالآخرة - مع دلالة الفطرة السوية والعقل السليم عليه - ليس في قوة الإيمان الفطري بالله، كما أن تفصيلاته مصدرها الوحي وحده.

واليقين نوعان:

١- يقين في خبر الله.

٢- يقين في أمر الله الشرعي والكوني.

فاليقين بخبر الله هو الإيمان بصدقه وتحققه ووقوعه - إن كان مما له الوقوع - إيمانا لا شك فيه، وهذا هو الإيمان بالغيب يقينا، ومن الأدلة عليه قوله تعالى: «وإذ قال إبراهيم ربي أرنى كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي» .الآية، فطلب الخليل من ربه مثالا للبعث يزيده إيمانه حتى يصبح يقينا خالصا، وقريب منه طلب الحواريين المائدة، فمع إيمانهم بقدرة الله طلبوا ما تطمئن به قلوبهم كذلك.

وهذا اليقين قد بلغ ذروته النبي صلى الله عليه وسلم - ليس فيما أخبر الله به من أمور الدين والإيمان فحسب، بل فى كل خبر ووعد، حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان موقناً بأن الله سينصره ويظهره على العالمين وهو ما يزال في أقسى مواقف الاضطهاد والتشريد والأذى، ولم يستبطئ النصر كما استبطأه رسل من قبله فقالوا «متى نصر الله» ، ولم يستيئس كما استيأس بعضهم.

وأما اليقين بأمر الله، فهو امتثاله برضاه وطمأنينة وتسليم - إن كان شرعيا، والرضا به والتسليم - إن كان كونيا.

وذروته ما فعله إمام الموحدين من الامتثال لذبح أبنه الوحيد وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف من أعظمها يوم الحديبية حين قال:" إني عبد الله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني " أو نحوها (١) .


(١) انظر ما تقدم في (الرضا) .

<<  <   >  >>