للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكحديث مالك بن الدخشم الذي كان متهما بالنفاق،فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما يخالف ذلك من روايات، منها:"أما أشهد أن لا إله إلا الله بها مخلصا؟ فإن الله حرم على النار من شهد بها ".

وفي رواية البخاري: " يبتغي بذلك وجه الله " مكان " مخلصا " وفي رواية:" والذي بعثني بالحق لئن قالها من قلبه لا تأكله النار أبدا "، وهي تقيد الإطلاق الوارد في رواية مسلم: "أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ " (١) .

والصدق والإخلاص مع تقاربهما، ومع ترادفهما أحيانا - يعرف التمييز بينهما بضد كلا منهما، فالصدق ضده انتفاء إرادة الله بالعمل أصلا - كمن أمن أو صلى كاذبا، لم يرد الإيمان والصلاة، وإنما فعل ذلك لسبب آخر - كما فعله المنافقون حفظاً لأنفسهم وأموالهم من السيف، وجبنا عن تحمل أعباء المواجهة الصريحة للإيمان.

والإخلاص ضده انتفاء إفراد الله بالإرادة والتوجه، كما آمن أو صلى صارفا ذلك لأحد من دون الله، وهذا هو الشرك الذي وقع فيه أكثر العالمين، ومنهم أهل الكتاب والمشركين الذين اتخذوا من دون الله أولياء؛ من الأنبياء أو غيرهم، وعبدوهم زاعمين أنهم يقربونهم إلى الله زلفى.

ومما يميز بينهما أن الصدق لا يختص بالاعتقاد، بل يكون في الأعمال أيضا،بخلاف الإخلاص فإنه عمل قلبي محض، لكن تظهر أثاره على الجوارح - كما سبق فيما أوضحنا فى العلاقة بين عمل القلب وعمل الجوارح، وهذا يشبه ما سبق من القول فى اليقين والإحسان، والله أعلم.

وعلى قدر تحقيق العبد لشعب الإيمان وأعماله يكون حظه من الصدق - حتى يصل إلى درجة "الصديقين"، يقول الله تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي


(١) الحديث ورد من طرق كثيرة وهذه الروايات في "المسند": (٤ /٤٤) ، و"البخاري": (١/ ٥١٩) ، مسلم، رقم (٥٤) .

<<  <   >  >>