للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن واقع أنفسنا اليوم نستدل على هذه الحقيقة؛ فنحن نقرأ آيات المعركة كما في سورة الأحزاب: «يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً (٩) إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (١٠) هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً» الآيات.

نقرأها فنمر عليها مروراً عابراً، وإذا فسرها المفسرون منا فقد لا يزيدون على قولهم: «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم» : أي من جهتي المدينة، وإذ زاغت الأبصار: أي من الخوف، «وبلغت القلوب الحناجر» : أي ارتفعت من شدة الخوف.. إلخ.

أما أن نقف - ولو في الشعور - مثل ذلك الموقف الرهيب، والكرب الشديد، والأهوال المحدقة لنواجه أعداء الله ونعلي كلمته متأسين بذلك الجيل، فهذا ما لا يخطر على قلب كثير من المسلمين اليوم، وعلى رأسهم نحن المنتسبين للعلم الشرعي في كثير من الأحيان، والله المستعان.

إن الحديث عن الإجهاد والمشقة والجوع والبرد والخوف الذي لقيه المؤمنون ليطول، وقد أفاضت فيه المصادر الصحيحة (١) ، وهو ذو دلالة عظمى على ما نريد إيضاحه من قضية الإيمان ومقتضياته، ومع هذا لن نفيض فيها، وإنما نقتصر على جانب واحد من جوانب العبر الكبرى:

وهو أن هذا الجيل الكريم هو من حيث التكوين النفسي بشر مثلنا ومثل سائر البشر؛ له مشاعره وعواطفه البشرية بما فيها من نقص وجزع وتأثر بالأحداث ...

ونحن نخطئ جداً حين نحسبهم غير ذلك فنفقد الأمل في التأسي بهم ...

" لقد كانوا ناساً من البشر، وللبشر طاقة لا يكلفهم الله ما فوقها، وعلى الرغم من ثقتهم بنصر الله في النهاية، وبشارة الرسول صلى الله عليه وسلم لهم؛ تلك البشارة التي تتجاوز الموقف كله إلى فتوح اليمن والشام والمغرب والمشرق (٢) ... على الرغم من هذا كله، فإن الهول الذي كان حاضراً يواجههم كان يزلزلهم ويزعجهم ويكرب أنفاسهم.


(١) انظر: الفتح (٧/٣٩٢، ٢٠٤) .
(٢) انظر أسانيدها في الفتح (٧/٣٩٧) فهي صحيحة بمجموع الطرق.

<<  <   >  >>