للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الفاروق: "أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإنما ذاك منٌّ مِنَ الله تعالى مَنَّ به عليّ، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك مَنٌّ مِنَ الله جل ذكره مَنَّ به عليّ، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك (أي الرعية أن يكون قصر في أمرها) والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به عذاب الله عز وجل وقبل أن أراه" (١) .

وجاءه شاب آخر يبشره بأجر الصحبة والعدل والشهادة فقال عمر: "وددت أن ذلك كفاني لا علىّ ولا لي" (٢) .

وأبو ذر رضي الله عنه حدث الناس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولا تلذتم بالنساء على الفرشات ... " الحديث. فقال: "والله لوددت أني شجرة تعضد" (٣) .

وابن مسعود رضي الله عنه يحدث عنه مسروق قال: "قال رجل عند عبد الله: ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين، أكون من المقربين أحب إلىَّ، قال: فقال عبد الله: لكن هناك رجل ود لو أنه إذا مات لم يبعث - يعني نفسه - " (٤) .

فهذا الوجل وشدة المحاسبة مع تلك التضحيات والفضائل والدرجة العليا التي شهد الله لهم بها في كتابه.

وقد استمرت سيرتهم امتداداً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد ـ بكل ضروبه - ففتحوا الآفاق والبلاد، وفتحوا القلوب والعقول، ونقلوا للناس هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم حياً ماثلاً، فما انقضى عصرهم حتى أنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله، ودانت ملوك الأرض وجبابرتها للملة الحنيفية، وأظهر الله دينه على العالمين حتى دخلت فيه أو في حكمه أمم الأرض إلا من اعتصم وراء لجج البحار أو بعدت بهم المهامة والقفار، أو عاشوا مع الوحوش في الأحراش والأدغال، وسيأتي لهذا مزيد بيان بإذن الله.


(١) البخاري (٧/٤٣، ٥٢) .
(٢) البخاري (٧/٦٠) .
(٣) المسند: (٥/١٧٣) .
(٤) الزهد للإمام أحمد ١٥٨ مطبعة أم القرى بمكة، والحلية (١/١٣٣) ، وانظر: منهاج السنة (٣/١٢١) .

<<  <   >  >>