للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد قصر نابليون حين وصف هذه المدة الهائلة بقوله: "إن المسلمين فتحوا نصف العالم في نصف قرن! "، فما كان القسم الذي لم يفتح نصف العالم قط، وإنما كان حوشي الأرض التي لم تصلها جيوش الإسلام فقد غزتها ثقافته وحضارته.

ولكن الأوروبيين منذ عصر الإمبراطورية الرومانية إلى الآن يعتبرون أوربا نصف الدنيا، وكم جمح بهم الغرور فاعتبروها محور العالم، وسائر الأمم حواشي وهوامش.

وعلى نهج الصحابة سارت بعدهم أجيال فأكملوا المسيرة، مسيرة الجهاد بكل ضروبه وأنواعه: الجهاد لإدخال الأمم في دين الله وتحريرها من عبودية طواغيت الدجل والاستبداد.

والجهاد في طلب العلم وتعليمه ليعبدوا الله على بصيرة ويدعوا الناس إلى حق وحقيقة.

والجهاد في مقاومة البدع والمنكرات وصيانة الأمة من تحريف الغالين وتأويل المبطلين.

والجهاد في تحمل أذى الدجالين والجبابرة والشياطين من الجن والإنس وجيوشهم من طلاب الشهوات وأتباع كل ناعق.

وقدمت هذه الأجيال من التضحيات وتحملت من المشقات ما سطره التاريخ وما لم يسطره، مما لا يستطاع حصره ولا تحصى آثاره.

كل ذلك عملوه وجاهدوه لا على أنه مجرد نوافل وتطوعات، ولا على أنه مهام جانبية تقضى في أو قات الفراغ من الشواغل، ولا على أنه وسيلة قطعية توصلهم للدرجات العلى في الجنة، بل كانوا يعملون ذلك كله على أنه هو حقيقة الإسلام، وهو شُعب الإيمان، وهو أسنان ومفتاح الشهادتين، وهو الطريق إلى الجنة إن سلم من الآفات والعوارض، يعملون ذلك وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، والخوف من التقصير، والخوف من أن ترد عليهم أعمالهم، والخوف من أن تجعل لهم حسناتهم في الدنيا، حاضرٌ في قلوبهم ماثل أمام أعينهم، كما تشهد بذلك سيرهم التي جمعها بعض المصنفين، وما لم يجمعوه من أعمال القلوب أكثر وأعظم.

وما نقل من أحد منهم قط أنه قال إن إيمانه كإيمان جبريل أو أنه كامل الإيمان، وما كان لمثلهم أن يتفوه بهذا.

<<  <   >  >>