بعد هذا الاستعراض لحقيقة هذا الدين وواقعه العملي وطبيعة سيره ومنهج حركته وتزكيته، رأيت أن أختم الفصل بإيضاح قضايا مهمة سأوردها في شكل أسئلة خطرت لي كثيراً أثناء الكتابة، وما أحسبها إلا ستخطر لكل قاريء كذلك.
والمقصود من إيراد هذه الأسئلة والإجابة عليها، هو التعرف على بعض الحكم الربانية في أن تكون حقيقة هذا الدين ومنهجه على ذلك النحو السابق شرحه، إذ ليس من حقنا - نحن العبيد - أن نسأل عن شيء من سنن الله لم كانت هكذا؟ إلا لنعرف ما يستتبعه ذلك من عبوديات اعتباراً وعملاً.
ولعل الإجابة على هذه الأسئلة تبدد ما قد يبقى في النفس من آثار الإرجاء الباطن الذي توارثته الأمة وألفته النفوس مع طول الأمد. وتبين ـ كذلك ـ مدى رحمة الله وفضله على المؤمنين المتمسكين بمنهجه، وأنه ـ مع كل ما في التمسك به من ابتلاءات وأعباء ومشقات ـ لم يجعل علينا في الدين من حرج أبداً، بل هذا المنهج نفسه هو منهج السعادة العظمى والفوز العظيم في الدنيا والآخرة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وهذه الأسئلة هي:
لماذا كل هذه الجهود والتضحيات والمشقات؟
وما القضية الأساسية التي جاهد من أجلها الأنبياء والشهداء والصالحون، وهل هي جديرة بكل هذه الجهود الكبيرة الهائلة لا سيما أن بعض الأنبياء - وهم خير من دعا إلى الله - لم يتبعه أحد، ومنهم من لم يتبعه إلا الرجل والرجلان - كما صح في الحديث (١) ، وأكثرهم ما آمن له إلا قليل بنص القرآن؟
والرسول صلى الله عليه وسلم - وهو أكثر الأنبياء تابعاً - أكانت القضية التي دعا إليها تستدعي أن يهب هو وأصحابه حياتهم كلها في سبيلها، ويكونوا مع ذلك أكثر الناس حرصاً على إيمانهم وحذراً من الذنوب؟
وأيضاً سؤال مهم، وهو: هل هذه الأعباء والمشقات خاصة بمنهج الإيمان، فيكون ذلك داعياً أن يركن الناس إلى الكفر طلباً للراحة والطمأنينة؟