للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* والقضية الأولى: أن " كل إنسان عامل ".

يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ» [الانشقاق: ٦] .

أي: "يا أيها الإنسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به، خيراً كان عملك ذلك أو شراً، يقول: فليكن علمك مما ينجيك من سخطه ويوجب لك رضاه، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك" (٢) .

قال قتادة: " إن كدحك يابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل ولا قوة إلا بالله" (١) . ويدل لذلك قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ» [البلد: ٤] .

على المعنى الظاهر المختار في تفسيرها (٢) ، وعلى هذا جاء الحديث الصحيح: " كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها " (٣) ، والحديث الصحيح: " أصدق الأسماء حارث وهمام " (٤) .

فالغدو وبيع النفس عمل مشترك لكل حي، وإنما الفارق أن المطيع يعتق والعاصي يوبق.

وكل إنسان لا يخلو من الحرث والهم، أي العمل والإرادة، فالتسمية بحارث وهمام وصف للطبيعة البشرية على ما هي عليه دون اقتضاء مدح أو ذم للمسمى، ولهذا كانا أصدق الأسماء.

وبدهي أن العمل هو أثر النية والإرادة، فكل يعمل وفق ما يعتقد ويرى؛ قال تعالى:

«قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا» [الإسراء: ٨٤] .

فهذا إخبار بأن كل إنسان يعمل على شاكلته، قال ابن عباس: على ناحيته، وقال مجاهد: على حدته وطبيعته، وقال قتادة: على نيته، وقال ابن زيد: على دينه (٥) . ومؤدى هذه الأقوال واحد.


(١) رواه الطبري، الموضع نفسه
(٢) أي المشقة والكدح والعناء، وهو الذي اختاره الإمام أحمد رضي الله عنه وقال: هو أظهر - أي من القول بأن المعنى: " منتصبا ". انظر: بدائع الفوائد (٣/١١٣) .
(٣) رواه مسلم رقم (٢٢٣) الطهارة.
(٤) رواه الإمام أحمد (٤/٣٤٥) ، وأبو داود (٤٩٥٠) ، وصححه شيخ الإسلام (كما سيأتي في كلامه)
(٥) انظر: الطبري (١٥/١٥٤) ، وعنه نقل ابن كثير

<<  <   >  >>