للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطاعته إلى غيره بطل عليه ذلك وزال عنه وفارقه أحوج ما يكون إليه، ومن كان انتهاء محبته ورغبته ورهبته وطلبه هو سبحانه ظفر بنعيمه ولذته وبهجته وسعادته أبد الآباد" (١) .

"ولا يزال العبد منقطعاً عن الله حتى تتصل إراداته ومحبته بوجهه الأعلى، والمراد بهذا الاتصال أن تفضي المحبة إليه وتتعلق به وحده، فلا يحجبها شيء دونه، وأن تتصل المعرفة بأسمائه وصفاته وأفعاله فلا يطمس نورها ظلمة التعطيل كما لا يطمس نور المحبة ظلمة الشرك، وأن يتصل ذكره به سبحانه، فيزول بين الذاكر والمذكور حجاب الغفلة، والتفاته في حال الذكر إلى غير مذكوره، فحينئذ يتصل الذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواهيه، فيفعل الطاعة لأنه أمر بها وأحبها ويترك المناهي لكونه نهى عنها وأبغضها.

فهذا معنى اتصال العمل بأمره ونهيه، وحقيقته زوال العلل الباعثة على الفعل والترك من الأغراض والحظوظ العاجلة.

ويتصل التوكل والحب بحيث يصير واثقاً به سبحانه مطمئناً إليه راضياً بحسن تدبيره له غير متهم له في حال من الأحوال. ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون من سواه.

ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتهاجه به وحده، فلا يخاف غيره ولا يرجوه ولا يفرح به كل الفرح ولا يسر به غاية السرور، وإن ناله بالمخلوق بعض الفرح والسرور، فليس الفرح التام والسرور الكامل والابتهاج والنعيم وقرة العين وسكون القلب إلا به سبحانه، وما سواه إن أعان على هذا المطلوب فرح به وسر به، وإن حجب عنه فهو بالحزن والوحشة منه واضطراب القلب بحصوله أحق منه بأن يفرح به، فلا فرحة ولا سرور إلا به أو بما أوصل إليه وأعان على مرضاته.

وقد أخبر سبحانه أنه لا يحب الفرحين بالدنيا وزينتها، وأمر بالفرح بفضله ورحمته وهو الإسلام والإيمان والقرآن كما فسره الصحابة والتابعون.

والمقصود أن من اتصلت له هذه الأمور بالله سبحانه فقد وصل، وإلا فهو مقطوع عن ربه متصل بحظه ونفسه وملبّس عليه في معرفته وإراداته وسلوكه" (٢)


(١) الفوائد، ص ١٨١- ١٨٢
(٢) المصدر السابق، ص ١٨٢- ١٨٣. وأنصح القارئ الكريم بقراءة سير السلف الصالح، ليرى كيف حققوا هذا الغنى عن الناس واستغنوا بالله عنهم وحفظوا أنفسهم من الذل لغيره والافتقار لسواه، ولولا الإطالة لنقلت أمثلة له هنا، ومن أنفع الكتب في ذلك وأيسرها تناولاً (صفة الصفوة) لابن الجوزي.

<<  <   >  >>