للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: (تعصي الضياطرة بالرّماح) وهذا ما لا يقع فيه التّأويل، لأن الرماح لا تعصى بالضّياطرة وإنما يعصى الرجال بها، أي يطعنون.

ومنه قول الآخر «١» :

أسلمته في دمشق كما ... أسلمت وحشيّة وهقا

أراد: (كما أسلم وحشية وهق) فقلب على الغلط.

وقال آخر «٢» :

كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزّناء فريضة الرجم

أراد (كما كان الرجم فريضة الزنى) .

وكان بعض أصحاب اللغة يذهب في قول الله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً [البقرة: ١٧١] إلى مثل هذا في القلب، ويقول: وقع التشبيه بالراعي في ظاهر الكلام، والمعنى للمنعوق به وهو الغنم. وكذلك قوله سبحانه: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص: ٧٦] أي: تنهض بها وهي مثقلة.

وقال آخر في قوله سبحانه: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) [العاديات: ٨] أي: وإن حبّه للخير لشديد.

وفي قوله سبحانه: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان: ٧٤] أي: اجعل المتّقين لنا إماما في الخير.

وهذا ما لا يجوز لأحد أن يحكم به على كتاب الله عزّ وجلّ لو لم يجد له مذهبا، لأنّ الشعراء تقلب اللفظ، وتزيل الكلام على الغلط، أو على طريق الضرورة للقافية، أو لاستقامة وزن البيت.


(١) يروى صدر البيت بلفظ:
أسلموها في دمشق كما والبيت من المديد، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ١٢٨، والأضداد لابن الأنباري ص ٨٦، والوساطة ص ٤٨٢، وبلا نسبة في المحتسب ٢/ ١١٨.
(٢) البيت من الكامل، وهو للنابغة الجعدي في ديوانه ص ٣٥، ولسان العرب (زنى) ، وبلا نسبة في معاني القرآن للفراء ١/ ٩٩، ٣١١، وأمالي المرتضى ١/ ١٥٥، وسر الفصاحة ص ١٠٦، والصاحبي في فقه اللغة ص ١٧٢، ومجاز القرآن ١/ ٣٧٨، وخزانة الأدب ٤/ ٣٢، والإنصاف ١/ ٣٧٣.

<<  <   >  >>