قد اختلف الناس قديما في تأويل هذه الآية والسبب الذي نزلت فيه.
وأنا مخبر من تلك المذاهب والتأويلات، بأشبهها بلفظ الكتاب، وأولاها بمعناه.
وأراد الله عز وجل أن يعرفنا كيف نشده بالوصية عند حضور الموت، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي: رجلان عدلان من المسلمين تشهدونهما على الوصيّة.
وعلم الله سبحانه أنّ من الناس من يسافر فيصحبه في سفره أهل الكتاب دون المسلمين، وينزل القرية التي لا يسكنها غيرهم، ويحضره الموت فلا يجد من يشهده من المسلمين، فقال: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أي: من غير دينكم إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي: سافرتم فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ وتمّ الكلام. فالعدلان من المسلمين للحضر والسفر خاصّة إن أمكن إشهادهما في السفر. والذّميان في السفر خاصة إذا لم يوجد غيرهما.
ثم قال: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ أراد: تحبسونهما من بعد صلاة العصر إن ارتبتم في شهادتهما وشككتم، وخشيتم أن يكونا قد غيّرا، أو بدّلا وكتما وخانا.
وخصّ هذا الوقت، لأنه قبل وجوب الشمس «١» ، وأهل الأديان يعظمونه ويذكرون الله فيه، ويتوقّون الحلف الكاذب وقول الزّور، وأهل الكتاب يصلّون لطلوع الشمس وغروبها.
فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً أي: لا نبيعه بعرض، ولا نحابي في شهادتنا أحدا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة علمناها.
فإذا حلفا بهذه اليمين على ما شهدا به، قبلت شهادتهما، وأمضي الأمر على قولهما.
(١) وجوب الشمس: يقال: وجبت الشمس وجبا ووجوبا: غابت.