ثم قال: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الجن: ١٧] أي يدخله عذابا شاقا.
يقال: سلكت الخيط في الحبّة وأسلكته: إذا أدخلته، ومنه سمّي الخيط سلكا، تقول: سلكته سلكا، فتفتح أوّل المصدر. وتقول للخيط: هذا السّلك، فتكسر أوّل الاسم، مثل القطف والقطف.
ومن الصّعد قيل: تصعّدني هذا الأمر، أي شقّ علي. والصّعود: العقبة الشّاقة.
ومنه قوله: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧)[المدثر: ١٧] ثم قال سبحانه: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (١٨)[الجن: ١٨] بنصب (أنّ) نسق على ما تقدّم من قوله: يريد أنّ السجود لله، ولا يكون لغيره، جمع مسجد، كما تقول: ضربت في البلاد مضربا بعيدا، وهذا مضرب بعيد.
ثم قال سبحانه: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ [الجن: ١٩] بنصب (أنّ) نسق على ما تقدم من قوله سبحانه. يريد لما قام النبي، عليه السلام يَدْعُوهُ أي يدعو الله كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً يعني الجنّ كادوا يلبدون به ويتراكبون، رغبة فيما سمعوا منه، وشهوة له.
ثم قال سبحانه لنبيه عليه السلام: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ [الجن: ٢١، ٢٧] أي ارتضاء للنّبوّة والرّسالة، فإنّه يطلعه على ما يشاء من غيبه.
ثم قال: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [الجن: ٢٧] أي يجعل بين يديه وخلفه رصدا من الملائكة، يحوطون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة، حتى تخبر به الكهنة إخبار الأنبياء، فلا يكون بينهم وبين الأنبياء فرق، ولا يكون للأنبياء دلالة.
ثم قال: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ [الجن: ٢٨] أي ليبلّغوا رسالات ربهم.
و (العلم) هاهنا مثله في قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ [آل عمران: ١٤٢] يريد: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا تجاهدوا