للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا حثّهنّ الرّكب في مدلهمّة ... أحاديثها مثل اصطخاب الضّرائر

وكقول زهير «١» :

تسمع للجنّ عازفين بها ... تضبح عن رهبة ثعالبها

في أشباه لهذا كثيرة- طلبوا الحيلة فقالوا: علّة ما يسمعون من هذا ويرون- انفراد القوم وتوحّشهم في الفلوات والقفار، ومن انفرد فكّر وتوهّم واستوحش وتخيّل، فرأى ما لا يرى، وسمع ما لا يسمع، كما قال حميد بن ثور «٢» :

مفزّعة تستحيل الشّخوص ... من الخوف تسمع ما لا ترى

وقالوا: ومن أحناش الأرض، وأحناش الطير في المهامة والرمال- ما لا يظهر ولا يصوّت إلا بالليل كالصّدى والضّوع والبوم واليراع، فإذا سمع أحدهم حسيس هامة، أو زقاء بوم، أو رأى لمع يراعة من بعد- وجب قلبه، وقفّ شعره، وذهبت به الظّنون.

وقالوا: في النهار ساعات تتغيّر فيها مناظر الأشباح، وتتضاعف أعدادها، وفربما رئي الصغير كبيرا، والكبير صغيرا، والواحد اثنين، وقد يسمع لأصوات الفلا والحرار، مثل الدّويّ، ولذلك قال ذو الرّمة «٣» :

إذا قال حادينا لتشبيه نبأة ... صه، لم يكن إلا دويّ المسامع

وبهذا سمّيت الفلاة: دوّيّة، كأن الدّوّ حكاية ما يسمعون، ثم نسب المكان إليه، قال الأعشى «٤» :

فوق ديمومة تخيّل بالسّفر ... قفارا إلا من الآجال

يريد بقوله: تخيّل بالسفر، أنهم يرونها مرّة على هيئة، ومرة على هيئة، قال كعب ابن زهير «٥» :

وصرماء مذكار كأنّ دويّها ... بعيد جنان اللّيل مما يخيّل

حديث أناسيّ فلمّا سمعته ... إذا ليس فيه ما أبين فأعقل


(١) البيت من المنسرح، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٢٦٥.
(٢) البيت من المتقارب، وهو بلا نسبة في المعاني الكبير ٢/ ٧٠٢.
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرمة ص ٧٩١، وتهذيب اللغة ٥/ ٣٤٩، وجمهرة اللغة ص ١٤٥، والبيت بلا نسبة في لسان العرب (صهصه) ، وتاج العروس (صهصه) .
(٤) البيت من الخفيف، وهو في ديوان الأعشى ص ٧، وبلا نسبة في المخصص ٨/ ٤١.
(٥) البيتان من الطويل، وهما في ديوان كعب بن زهير ص ٤٥.

<<  <   >  >>