للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ اتّخِذْ مُؤَذّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا، وَإِذَا أَمَمْت قَوْمًا فَاقْدُرْهُمْ بِأَضْعَفِهِمْ، وَإِذَا صَلّيْت لِنَفْسِك فَأَنْتَ وَذَاكَ. ثُمّ خَرَجَ الْوَفْدُ عَامِدِينَ إلَى الطّائِفِ، فَلَمّا دَنَوْا مِنْ ثَقِيفٍ قال عبد يا ليل:

أَنَا أَعْلَمُ النّاسِ بِثَقِيفٍ فَاكْتُمُوهَا الْقَضِيّةَ، وَخَوّفُوهُمْ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، وَأَخْبِرُوهُمْ أَنّ مُحَمّدًا سَأَلَنَا أُمُورًا عَظّمْنَاهَا فَأَبَيْنَاهَا عَلَيْهِ، يَسْأَلُنَا تَحْرِيمَ الزّنَا وَالْخَمْرِ، وَأَنْ نُبْطِلَ أَمْوَالَنَا فِي الرّبَا، وَأَنْ نَهْدِمَ الرّبّةَ. وَخَرَجَتْ ثَقِيفٌ حِينَ دَنَا الْوَفْدُ، فَلَمّا رَآهُمْ الْوَفْدُ سَارُوا الْعَنَقَ [ (١) ] وَقَطّرُوا الْإِبِلَ [ (٢) ] ، وَتَغَشّوْا بِثِيَابِهِمْ كَهَيْئَةِ الْقَوْمِ قَدْ حَزِنُوا وَكَرَبُوا، فَلَمْ يَرْجِعُوا بِخَيْرٍ. فَلَمّا رَأَتْ ثَقِيفٌ مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ حَزِنُوا وَكَرَبُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا جَاءَ وَفْدُكُمْ بِخَيْرٍ! وَدَخَلَ الْوَفْدُ، فَكَانَ أَوّلَ مَا بَدَءُوا بِهِ عَلَى اللّاتِ، فَقَالَ الْقَوْمُ حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ إلَيْهَا [ (٣) ] ، وَكَانُوا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ، فَدَخَلَ الْقَوْمُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ فَنَظَرُوا فِيمَا خَرَجُوا يدرأون بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَالَتْ ثَقِيفٌ: كَأَنّهُمْ [ (٤) ] لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهَا عَهْدٌ وَلَا بِرُؤْيَتِهَا! ثُمّ رَجَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى أَهْلِهِ، وَأَتَى رِجَالًا مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُمْ [ (٥) ] : مَاذَا رَجَعْتُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كَانَ الْوَفْدُ قَدْ اسْتَأْذَنُوا النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنَالُوا مِنْهُ فَرَخّصَ لَهُمْ، فَقَالُوا: جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَظّ غَلِيظٍ، يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، قَدْ ظَهَرَ بِالسّيْفِ، وَأَدَاخَ [ (٦) ] الْعَرَبَ، وَدَانَ لَهُ النّاسُ، وَرُعِبَتْ مِنْهُ بَنُو الْأَصْفَرِ فِي حُصُونِهِمْ، وَالنّاسُ فِيهِ، إمّا رَاغِبٌ فِي دِينِهِ، وإمّا خائف من السيف،


[ (١) ] العنق من السير: المنبسط. (لسان العرب، ج ١٢، ص ١٤٩) .
[ (٢) ] قطر الإبل، يقطرها قطرا: قرب بعضها إلى بعض على نسق. (لسان العرب، ج ٦، ص ٤١٧) .
[ (٣) ] هكذا فى الأصل، ولا يظهر لنا مقول القول. ولعل «قال» هنا من القيلولة.
[ (٤) ] فى الأصل: «فإنهم» .
[ (٥) ] فى الأصل: «وأتى رجل منهم حامقة من ثقيف فسألوهم» ، ولعل ما أثبتناه أقرب الاحتمالات.
[ (٦) ] أى أذلهم. (النهاية، ج ٢، ص ٣٤) .