فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شَدِيدَةً أَعْظَمْنَاهَا، فَتَرَكْنَاهَا عَلَيْهِ، حَرّمَ عَلَيْنَا الزّنَا، وَالْخَمْرَ، وَالرّبَا، وَأَنْ نَهْدِمَ الرّبّةَ. فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: لَا نَفْعَلُ هَذَا أَبَدًا. فَقَالَ الْوَفْدُ:
لَعَمْرِي قَدْ كَرِهْنَا ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَاهُ، ورأينا أنّه لَمْ يُنْصِفْنَا، فَأَصْلِحُوا سِلَاحَكُمْ، وَرُمّوا حِصْنَكُمْ، وَانْصِبُوا الْعَرّادَاتِ عَلَيْهِ وَالْمَنْجَنِيقَ، وَأَدْخِلُوا طَعَامَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فِي حِصْنِكُمْ، لَا يُحَاصِرُكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، وَاحْفِرُوا خَنْدَقًا مِنْ وَرَاءِ حِصْنِكُمْ، وَعَاجِلُوا ذَلِكَ فَإِنّ أَمْرَهُ قَدْ ظَلّ لَا نَأْمَنُهُ.
فَمَكَثُوا بِذَلِكَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ، ثُمّ أَدْخَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ فَقَالُوا: مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ، قَدْ أَدَاخَ الْعَرَبَ كُلّهَا، فَارْجِعُوا إلَيْهِ فَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ، وَاكْتُبُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلَيْنَا وَيَبْعَثَ الْجُيُوشَ. فَلَمّا رَأَى الْوَفْدُ أَنْ قَدْ سَلّمُوا بِالْقَضِيّةِ، وَرُعِبُوا مِنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَاخْتَارُوا الْأَمْنَ عَلَى الْخَوْفِ، قَالَ الْوَفْدُ: فإنّا قَدْ قَاضَيْنَاهُ، وَأَعْطَانَا مَا أَحْبَبْنَاهُ، وَشَرَطَ لَنَا مَا أَرَدْنَا، وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النّاسِ، وَأَبَرّ النّاسِ، وَأَوْصَلَ النّاسِ، وَأَوْفَى النّاسِ، وَأَصْدَقَ النّاسِ، وَأَرْحَمَ النّاسِ، وَقَدْ تَرَكَنَا مِنْ هَدْمِ الرّبّةِ وَأَبَيْنَا أَنْ نَهْدِمَهَا، وَقَالَ: «أَبْعَثُ مَنْ يَهْدِمُهَا» ، وَهُوَ يَبْعَثُ مَنْ يَهْدِمُهَا. قَالَ:
يَقُولُ شَيْخٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَدْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ مِنْ الشّرْكِ بَعْدُ بَقِيّةٌ: فَذَاكَ وَاَللهِ مِصْدَاقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، إنْ قَدَرَ عَلَى هَدْمِهَا فَهُوَ مُحِقّ وَنَحْنُ مُبْطِلُونَ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ فَفِي النّفْسِ مِنْ هَذَا بَعْدُ شَيْءٌ! فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ:
مَنّتْك نَفْسُك الْبَاطِلَ وَغَرّتْك الْغُرُورَ! وَمَا الرّبّةُ؟ وَمَا تَدْرِي الرّبّةُ مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا؟ كَمَا كَانَتْ الْعُزّى مَا تَدْرِي مَنْ عَبَدَهَا وَمَنْ لَمْ يَعْبُدْهَا، جَاءَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَحْدَهُ فَهَدَمَهَا، وَكَذَلِك إِسَافُ، وَنَائِلَةُ، وَهُبَلُ، وَمَنَاةُ، خَرَجَ إلَيْهَا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهَدَمَهَا، وَسُوَاعٌ، خَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute