للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّحّامُ الْعَدَوِيّ، فَجَاءَ وَقَدْ حَلّ بِنَوَاحِيهِمْ بَنُو جهيم من بنى تميم، وبنو عمرو ابن جُنْدُبِ بْنِ الْعُتَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، فَهُمْ يَشْرَبُونَ مَعَهُمْ عَلَى غَدِيرٍ لَهُمْ بِذَاتِ الْأَشْطَاطِ [ (١) ] ، وَيُقَالُ: وَجَدَهُمْ عَلَى عُسْفَانَ. ثُمّ أَمَرَ بِجَمْعِ مَوَاشِي خُزَاعَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا الصّدَقَةَ. قَالَ: فَحَشَرَتْ خُزَاعَةُ الصّدَقَةَ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ، فَاسْتَنْكَرَتْ ذَلِكَ بَنُو تَمِيمٍ وَقَالُوا: مَا هَذَا؟ تُؤْخَذُ أَمْوَالُكُمْ مِنْكُمْ بِالْبَاطِلِ [ (٢) ] ! وَتَجَيّشُوا، وَتَقَلّدُوا الْقِسِيّ، وَشَهَرُوا السّيُوفَ، فَقَالَ الْخُزَاعِيّونَ:

نَحْنُ قَوْمٌ نَدِينُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا مِنْ دِينِنَا. قَالَ التّمِيمِيّونَ: وَاَللهِ لَا يَصِلُ إلَى بَعِيرٍ مِنْهَا أَبَدًا! فَلَمّا رَآهُمْ الْمُصَدّقُ هَرَبَ مِنْهُمْ وَانْطَلَقَ مُوَلّيًا وَهُوَ يَخَافُهُمْ، وَالْإِسْلَامُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعُمّ الْعَرَبَ، قَدْ بَقِيَتْ بَقَايَا مِنْ الْعَرَبِ وَهُمْ يَخَافُونَ السّيْفَ لِمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ وَحُنَيْنٍ،

وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ مُصَدّقِيهِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَفْوَ مِنْهُمْ وَيَتَوَقّوْا كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، فَقَدِمَ الْمُصَدّقُ عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّمَا كُنْت فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ، فَوَثَبَتْ خُزَاعَةُ عَلَى التّمِيمِيّينَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ مَحَالّهِمْ، وَقَالُوا: لَوْلَا قَرَابَتُكُمْ مَا وَصَلْتُمْ إلَى بِلَادِكُمْ، لَيَدْخُلَنّ عَلَيْنَا بَلَاءٌ مِنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ تَعْرِضُونَ لِرُسُلِ [ (٣) ] رَسُولِ اللهِ، تَرُدّونَهُمْ عَنْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا. فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

مَنْ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الّذِينَ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا؟

فَانْتَدَبَ أَوّلُ النّاسِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ، فَقَالَ: أَنَا وَاَللهِ لَهُمْ، أَتْبَعُ آثارهم ولو بلغوا يبرين [ (٤) ] حتى


[ (١) ] ذات الأشطاط: موضع تلقاء الحديبية. (معجم ما استعجم، ص ١٢٨) .
[ (٢) ] فى الأصل: «باطل» .
[ (٣) ] فى الأصل: «حيث تعرضون لرسول الله» .
[ (٤) ] يبرين: رمل معروف فى ديار بنى سعد من تميم. (معجم ما استعجم، ص ٨٤٩) .