للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَأَوْصَاهُمَا فَقَالَ: اغْسِلَانِي وَكَفّنَانِي، ثُمّ ضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطّرِيقِ إذَا أَنَا مُتّ. وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ الْعِرَاقِ عُمّارًا، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إلّا بِالْجِنَازَةِ عَلَى قَارِعَةِ الطّرِيقِ قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ تَطَؤُهَا، فَسَلّمَ الْقَوْمُ فَقَامَ إلَيْهِمْ غُلَامُهُ فَقَالَ لَهُمْ: هَذَا أَبُو ذَرّ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعِينُونِي عَلَيْهِ! فَاسْتَهَلّ ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: صَدَقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبو ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ» . ثُمّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتّى وَارَوْهُ، ثُمّ حَدّثَهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ حَدِيثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَسِيرِهِ إلَى تَبُوكَ.

وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ- وَهُوَ كُلْثُومُ بْنُ الْحُصَيْنِ، قَدْ بَايَعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشّجَرَةِ- فَقَالَ: غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم تبوكا. قَالَ: فَسِرْت ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ، وَنَحْنُ بِالْأَخْضَرِ [ (١) ] ، وَأَنَا قَرِيبٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُلْقِيَ عَلَيّ النّعَاسُ، فَطَفِقْت أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُفْزِعُنِي دُنُوّهَا مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَطَفِقْت أَحُوزُ [ (٢) ] رَاحِلَتِي حَتّى غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فِي بَعْضِ الطّرِيقِ وَنَحْنُ فِي بَعْضِ اللّيْلِ، فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَتَهُ وَرِجْلُهُ فِي الْغَرْزِ، فَمَا اسْتَيْقَظْت إلّا بِقَوْلِهِ: حَسّ [ (٣) ] ! فَقُلْت:

يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرْ! فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُنِي عَمّنْ تَخَلّفَ مِنْ بَنِي غفار،


[ (١) ] الأخضر: منزل قرب تبوك، بينه وبين وادي القرى. (معجم البلدان، ج ١، ص ١٥٢) .
[ (٢) ] أى أبعد. (شرح أبى ذر، ص ٤٢٥) .
[ (٣) ] حس: كلمة تقولها العرب عند وجود الألم، وفى الحديث أن طلحة لما أصيبت يده يوم أحد قال: حس. (الروض الأنف، ج ٢، ص ٣٢١) .