للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَبَاهُوا بِصَهِيلِهَا الْمُشْرِكِينَ، أَعْرَافُهَا أَدْفَاؤُهَا [ (١) ] ، وَأَذْنَابُهَا مَذَابّهَا. وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنّ الشّهَدَاءَ لَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، لَا يَمُرّونَ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلّا تَنَحّى عَنْهُمْ، حَتّى إنّهُمْ لَيَمُرّونَ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ خَلِيلِ الرّحْمَنِ فَيَتَنَحّى لَهُمْ حَتّى يَجْلِسُوا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ. يَقُولُ النّاسُ: هَؤُلَاءِ الّذِينَ أُهْرِيقُوا دِمَاءَهُمْ لِرَبّ الْعَالَمِينَ، فَيَكُونُ كَذَلِكَ حَتّى يَقْضِيَ اللهُ عَزّ وَجَلّ بَيْنَ عِبَادِهِ!

قَالُوا: وَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ قَامَ إلَى فَرَسِهِ الظّرِبِ فَعَلّقَ عَلَيْهِ شِعَارَهُ [ (٢) ] وَجَعَلَ يَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِهِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِك؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا يُدْرِيك؟ لَعَلّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، مَعَ أَنّي قَدْ بِتّ اللّيْلَةَ [ (٣) ] ، وَإِنّ الْمَلَائِكَةَ لَتُعَاتِبُنِي فِي حَسّ [ (٤) ] الْخَيْلِ وَمَسْحِهَا.

وقال: أخبرنى خليلي جبريل أَنّهُ يُكْتَبُ لِي بِكُلّ حَسَنَةٍ أَوْفَيْتهَا إيّاهُ حَسَنَةً، وَإِنّ رَبّي عَزّ وَجَلّ يَحُطّ عَنّي بِهَا سَيّئَةً. وَمَا مِنْ امْرِئٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَرْبِطُ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُوفِيَهُ بِعَلِيفِهِ يَلْتَمِسُ بِهِ قُوّتَهُ إلّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلّ حَبّةٍ حَسَنَةً، وَحَطّ عَنْهُ بِكُلّ حَبّةٍ سَيّئَةً! قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيّ الْخَيْلِ خَيْرٌ؟ قَالَ:

أَدْهَمُ [ (٥) ] ، أَقْرَحُ، أَرْثَمُ، مُحَجّلُ الثّلُثِ [ (٦) ] ، مطلق اليمين، فإن لم


[ (١) ] الأدفاء: جمع دفء، وهو ما يستدفأ به من الأوبار والأصواف. (النهاية، ج ٢، ص ٢٦) .
[ (٢) ] الشعار: ما ولى الجسد من الثياب. (الصحاح، ص ٦٩٩) .
[ (٣) ] فى الأصل: «مع أنى قريب الليلة» ، ولعل الصواب ما أثبتناه.
[ (٤) ] الحس: نفض التراب عن الدابة. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٢٠٦) .
[ (٥) ] يقال فرس أدهم إذا اشتدت ورقته. (الصحاح، ص ١٩٢٤) .
[ (٦) ] الخيل الأقرح: هو ما كان فى جبهته قرحة، بالضم، وهي بياض يسير فى وجه الفرس دون الغرة، والأرثم: الذي أنفه أبيض وشفته العليا، والمحجل: هو الذي يرتفع البياض فى قوائمه إلى موضع القيد. (النهاية، ج ٣، ص ٢٤٠، ج ٢، ص ٦٥، ج ١، ص ٢٠٤) .