ثُمّ إنّ عُبَيْدَ بْنَ يَاسِرٍ قَدِمَ مَقْنَا وَبِهَا يَهُودِيّةٌ، وَكَانَتْ الْيَهُودِيّةُ تَقُومُ عَلَى فَرَسِهِ، فَأَعْطَاهَا سِتّينَ ضَفِيرَةً مِنْ ضَفَائِرِ فَرَسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَجْرِي عَلَى الْيَهُودِيّةِ حَتّى نُزِعَتْ آخِرَ زَمَانِ بَنِي أُمَيّةَ، فَلَمْ تُرَدّ إلَيْهَا وَلَا إلَى وَلَدِ عُبَيْدٍ.
وَكَانَ عُبَيْدٌ قَدْ أَهْدَى لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا عَتِيقًا يُقَالُ لَهُ مُرَاوِحُ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَابِقْ! فَأَجْرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلَ بِتَبُوكَ فَسَبَقَ الْفَرَسُ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، فَسَأَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْفَرَسَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ سَبْحَةُ؟
فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ قَدْ شَهِدَ عَلَيْهَا بَدْرًا. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ عِنْدِي، وَقَدْ كَبِرَتْ وَأَنَا أَضِنّ بِهَا لِلْمَوَاطِنِ الّتِي شَهِدْت عَلَيْهَا، وَقَدْ خَلّفْتهَا لِبُعْدِ هَذَا السّفَرِ وَشِدّةِ الْحَرّ عَلَيْهَا، فَأَرَدْت أُحَمّلُ هَذَا الْفَرَسَ الْمُعْرِقَ عَلَيْهَا فَتَأْتِينِي بِمُهْرٍ.
قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَاكَ إذًا! فَقَبَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَخَبِرَ مِنْهُ صِدْقًا، ثُمّ حَمّلَهُ عَلَى سَبْحَةَ فَنَتَجَتْ لَهُ مُهْرًا كَانَ سَابِقًا يُقَالُ لَهُ الذّيّالُ، سَبَقَ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ عُثْمَانُ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا.
قَالُوا: وَمَرّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ يُرِيدُ حَاجَتَهُ، فَرَأَى نَاسًا مُجْتَمِعِينَ فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَعِيرٌ لِرَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ، نَحَرَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ حَاجَتَهُ، فَخَلّى بَيْنَ النّاسِ وَبَيْنَهُ، فَأَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَرُدّ رَافِعُ مَا أَخَذَ وَمَا أَخَذَهُ النّاسُ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذِهِ نُهْبَةٌ لَا تَحِلّ! قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ صَاحِبَهُ أَذِنَ فِي أَخْذِهِ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِنّ أَذِنَ فِي أَخْذِهِ! قَالُوا وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيّ الصّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ظِلّ خِبَاءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ خِدْمَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ طَرُوقَةُ [ (١) ] فحل فى سبيل الله.
[ (١) ] طروقة: هي فعولة بمعنى مفعولة، أى مركوبة للفحل. (النهاية، ج ٣، ص ٣٦) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute