للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يُحَدّثُ يَقُولُ: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِي تَبُوكَ فَقَالَ: اقْطَعُوا قَلَائِدَ الْإِبِلِ مِنْ الْإِبِلِ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْخَيْلُ؟ قَالَ: لَا تُقَلّدُوهَا [ (١) ] بِالْأَوْتَارِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى حَرَسِهِ بِتَبُوكَ مِنْ يَوْمِ قَدِمَ إلَى أَنْ رَحَلَ مِنْهَا عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ، فَكَانَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ يَطُوفُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الْعَسْكَرِ، فَغَدَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللهِ، مَا زِلْنَا نَسْمَعُ صَوْتَ تَكْبِيرٍ مَنْ وَرَائِنَا حَتّى أَصْبَحْنَا، فَوَلّيْت أَحَدَنَا يَطُوفُ عَلَى الْحَرَسِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا فَعَلْت، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خيلنا انتدب [ (٢) ] . فقال سلكان ابن سَلَامَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجْت فِي عَشْرَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَيْلِنَا فَكُنّا نَحْرُسُ الْحَرَسَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رَحِمَ اللهُ حَرَسَ الْحَرَسِ فِي سَبِيلِ اللهِ! قَالَ: فَلَكُمْ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ عَلَى كُلّ مَنْ حَرَسْتُمْ مِنْ النّاسِ جَمِيعًا أَوْ دَابّةٌ.

قَالُوا: وَقَدِمَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّا قَدِمْنَا عَلَيْك وَتَرَكْنَا أَهْلَنَا عَلَى بِئْرٍ لَنَا، قَلِيلٌ مَاؤُهَا، وَهَذَا الْقَيْظُ، وَنَحْنُ نَخَافُ إنْ تَفَرّقْنَا أَنْ نُقْتَطَعَ، لِأَنّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَفْشُ حَوْلَنَا بَعْدُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا فِي مَاءِ بِئْرِنَا، وَإِنْ رُوِينَا بِهِ فَلَا قَوْمَ أَعَزّ مِنّا، لَا يَعْبُرُ بِنَا أَحَدٌ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أَبْلِغُونِي حَصَيَاتٍ! فَتَنَاوَلْت ثَلَاثَ حَصَيَاتٍ فَدَفَعْتهنّ إلَيْهِ، فَفَرَكَهُنّ بِيَدِهِ


[ (١) ] قال ابن الأثير: قلدوا الخيل ولا تقلدوها، الأوتار، أى قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين، ولا تقلدوها طلب أوتار الجاهلية وذحولها التي كانت بينكم. والأوتار: جمع وتر بالكسر، وهو الدم وطلب الثأر. (النهاية، ج ٣، ص ٢٧٢) .
[ (٢) ] انتدب: أى أجاب. (الصحاح، ص ٢٢٣) .