للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ركب راحلته، فوقف بالهضاب- عَرَفَةُ، وَالْمُصَلّى مِنْ عَرَفَةَ- فَلَمّا أَفْطَرَ الصّائِمُ دَفَعَ، فَكَانَ يَسِيرُ الْعُنُقَ [ (١) ] حَتّى انْتَهَى إلَى جَمْعٍ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ النّارِ الّتِي عَلَى قُزَحَ [ (٢) ] . فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلّى الْفَجْرَ، ثُمّ وَقَفَ، فَلَمّا أَسْفَرَ [ (٣) ] دَفَعَ، وَجَعَلَ يَقُولُ فِي وُقُوفِهِ: يَا أَيّهَا النّاسُ، أَسْفِرُوا! يَا أَيّهَا النّاسُ، أَسْفِرُوا! ثُمّ دَفَعَ قَبْلَ الشّمْسِ، فَكَانَ يَسِيرُ الْعُنُقَ حَتّى انْتَهَى إلَى مُحَسّرٍ [ (٤) ] فَأَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمّا جَازَ وَادِيَ مُحَسّرٍ عَادَ إلَى مسيره الأوّل، حتى رمى الجمرة راكبا، وسبع حَصَيَاتٍ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ، ثُمّ حَلَقَ.

وَقَرَأَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانَ اللهِ عَلَيْهِ يَوْمَ النّحْرِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ «بَرَاءَةٌ» ، وَنَبَذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ. قَالَ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.

وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: حَضَرْت ذَلِكَ الْيَوْمَ- فَكَانَ يَقُولُ: هُوَ يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ- فَخَطَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ النّحْرِ بَعْدَ الظّهْرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ خَطَبَ فِي حَجّتِهِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، قَبْلَ التّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بِمَكّةَ بَعْدَ الظّهْرِ، وَبِعَرَفَةَ قَبْلَ الظّهْرِ، وَبِمِنًى يَوْمَ النّحْرِ بَعْدَ الظّهْرِ. وَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَرْمِي الْجِمَارَ مَاشِيًا، ذَاهِبًا وَجَائِيًا، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الصّدْرِ [ (٥) ]- قَالُوا: رَمَى مَاشِيًا- فَلَمّا جَاوَزَ الْعَقَبَةَ رَكِبَ.

وَيُقَالُ: رَمَى يَوْمَئِذٍ رَاكِبًا، فَلَمّا انْتَهَى إلَى الْأَبْطَحِ صَلّى بِهِ الظّهْرَ، وَدَخَلَ مَكّةَ فَصَلّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ لَيْلَتِهِ قَافِلًا إلى المدينة.


[ (١) ] العنق: ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير مسبطر. (الصحاح، ص ١٥٣٣) .
[ (٢) ] قزح: القرن الذي يقف الإمام عنده بالمزدلفة. (معجم البلدان، ج ٧، ص ٧٧) .
[ (٣) ] أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء. والمعنى هاهنا: طول صلاة الفجر إلى الإسفار.
(الصحاح، ص ٦٨٧) .
[ (٤) ] محسر: واد بجمع. (معجم ما استعجم، ص ٥٠٩) .
[ (٥) ] الصدر: اليوم الرابع من أيام النحر. (القاموس المحيط، ج ٢، ص ٦٨) .