للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالُوا: احْتَفَرَ قَوْمٌ بِالْيَمَنِ بِئْرًا، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ سَقَطَ فِيهَا أَسَدٌ، فَأَصْبَحَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَسَقَطَ إنْسَانٌ فِي الْبِئْرِ، فَتَعَلّقَ بِآخَرَ فَتَعَلّقَ الْآخَرُ بِآخَرَ حَتّى كَانُوا فِي الْبِئْرِ أَرْبَعَةً، فَحَرِبَ [ (١) ] الْأَسَدُ بِهِمْ فَقَتَلَهُمْ، فَأَهْوَى لَهُ رَجُلٌ بِرُمْحِهِ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ النّاسُ: الْأَوّلُ عَلَيْهِ دِيَتُهُمْ فَهُوَ قَتَلَهُمْ.

فَأَرَادُوا يُقْبِلُونَ، فَمَرّ بِهِمْ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ، فَمَنْ رَضِيَ فَهُوَ إلَى قَضَائِهِ، وَمَنْ تَجَاوَزَ إلَى غَيْرِهِ فَلَا حَقّ لَهُ حَتّى يَكُونَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي فِيكُمْ، اجْمَعُوا مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ مِنْ النّاسِ! فَجَمَعُوا كُلّ مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ، ثُمّ قَالَ: رُبُعُ دِيَةٍ، وَثُلُثُ دِيَةٍ، وَنِصْفُ دِيَةٍ، وَدِيَةٌ تَامّةٌ، فَالْأَسْفَلُ رُبُعُ دِيَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنّهُ هَلَكَ مِنْ فَوْقِهِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثّانِي ثُلُثُ الدّيَةِ، لِأَنّهُ هَلَكَ اثْنَانِ، وَلِلثّالِثِ نِصْفُ الدّيَةِ، مِنْ أَنّهُ هلك فوقه واحد، وللأعلى الدّيَةُ كَامِلَةٌ. فَإِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ بَيْنَكُمْ قَضَاءٌ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَوْا فَلَا حَقّ لَكُمْ حَتّى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَيَقْضِي بَيْنَكُمْ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجّتِهِ وَهُمْ عَشْرَةُ نَفَرٍ، فَجَلَسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَصّوا عَلَيْهِ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ إنْ شَاءَ اللهُ! فَقَامَ أَحَدُ النّفَرِ فَقَالَ:

يَا رَسُولَ اللهِ، إنّ عَلِيّا قَدْ قَضَى بَيْنَنَا. فَقَالَ: فِيمَ قَضَى بَيْنَكُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَضَى بِهِ، فَقَالَ: هُوَ مَا قَضَى بِهِ. فَقَامَ الْقَوْمُ فَقَالُوا: هَذَا قَضَاءٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ. فَلَزِمَ الْمَقْضِيّ عَلَيْهِمْ وَسَأَلَهُمْ عَنْ الْأُسْدِ، أَهِيَ فِي بِلَادِهِمْ.

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهَا لَكَثِيرَةٌ تُغِيرُ عَلَى مَاشِيَتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأُسْدِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: فَإِنّهُ غَدَا عَلَى ابْنٍ لِحَوّاءَ فَأَكَلَهُ، فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ حَوّاءُ فَقَالَتْ:

وَيْلَك، أَكَلْت ابْنِي! قَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ آكل رزقا ساقه الله إلىّ. فأقبل


[ (١) ] حرب: اشتد غضبه. (الصحاح، ص ١٠٨) .