للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَتّى رَضِيت مِنْهَا، فَأَضْرِبُ بِهَا فِي خَاصِرَتِهِ حَتّى خَرَجْت مِنْ مَثَانَتِهِ. وَكَرّ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ: أَبَا عُمَارَةَ! فَلَا يُجِيبُ، فَقُلْت: قَدْ، وَاَللهِ مَاتَ الرّجُلُ! وَذَكَرْت هِنْدًا وَمَا لَقِيَتْ عَلَى أَبِيهَا وَعَمّهَا وَأَخِيهَا، وَانْكَشَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا مَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنِي، فَأَكُرّ عَلَيْهِ فَشَقَقْت بَطْنَهُ فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ، فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ، فَقُلْت: مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك؟ قَالَتْ: سَلَبِي! فَقُلْت: هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ. فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا. فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ، ثُمّ قَالَتْ:

إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ. ثُمّ قَالَتْ: أَرِنِي مَصْرَعَهُ! فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ، فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ، وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ، وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ، ثُمّ جَعَلَتْ مَسَكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ وخدمتين حتى قدمت بذلك مكّة، وقدمت يكبده مَعَهَا.

فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ: غَزَوْنَا الشّامَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَمَرَرْنَا بِحِمْصٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقُلْنَا: وَحْشِيّ! فَقَالُوا: لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، هُوَ الْآنَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتّى يُصْبِحَ. فَبِتْنَا مِنْ أَجْلِهِ وَإِنّا لَثَمَانُونَ رَجُلًا، فَلَمّا صَلّيْنَا الصّبْحَ جِئْنَا إلَى مَنْزِلِهِ، فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، قَدْ طُرِحَتْ لَهُ زِرْبِيّةٌ [ (١) ] قَدْرَ مَجْلِسِهِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَخْبِرْنَا عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ وَعَنْ مُسَيْلِمَةَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا بِتْنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ إلّا مِنْ أَجْلِك. فَقَالَ: إنّي كُنْت عَبْدًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بن عدىّ، فَلَمّا خَرَجَ النّاسُ إلَى أُحُدٍ دَعَانِي فَقَالَ: قَدْ رَأَيْت مَقْتَلَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ نِسَاؤُنَا فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ إلَى يَوْمِي هذا،


[ (١) ] الزربية: البساط. (النهاية، ج ٣، ص ١٢٤) .