عَنْ الطّعَامِ، وَأَلْصِقْ بِالرّأْسِ وَاخْفِضْ عَنْ الدّمَاغِ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ لِلْجَسَدِ أَنْ يَبْقَى فِيهِ الْعُنُقُ. يَا ثَابِتُ، لَا أَصْبِرُ إفْرَاغَ دَلْوٍ مِنْ نَضْحٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ: وَيْحَك يَا ابْنَ بَاطَا، إنّهُ لَيْسَ إفْرَاغَ دَلْوٍ، وَلَكِنّهُ عَذَابٌ أَبَدِيّ. قَالَ: يَا ثَابِتُ، قَدّمْنِي فَاقْتُلْنِي! قَالَ ثَابِتٌ:
ما كنت لأقتلك. قَالَ الزّبِيرُ: مَا كُنْت أُبَالِي مَنْ قَتَلَنِي! وَلَكِنْ يَا ثَابِتُ، اُنْظُرْ إلَى امْرَأَتِي وَوَلَدِي فَإِنّهُمْ جَزِعُوا مِنْ الْمَوْتِ، فَاطْلُبْ إلَى صَاحِبِك أَنْ يُطْلِقَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ. وَأَدْنَاهُ إلَى الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَطَلَبَ ثَابِتٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، فَرَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ، وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ مِنْ السّبَا، وَرَدّ عَلَيْهِمْ الْأَمْوَالَ مِنْ النّخْلِ وَالْإِبِلِ وَالرّثّةِ إلّا الْحَلْقَةَ، فَإِنّهُ لَمْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمْ. فَكَانُوا مَعَ آلِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ.
قَالُوا: وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ مُتَزَوّجَةً فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَفِيّا، وَكَانَتْ جَمِيلَةً، فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ. فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ سَعِيّةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ سَعِيّةَ: فِدَاك أَبِي وَأُمّي، هِيَ تُسْلِمُ! فَخَرَجَ حَتّى جَاءَهَا، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: لَا تَتّبِعِي قَوْمَك،
فَقَدْ رَأَيْت مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، فَأَسْلِمِي يَصْطَفِيك رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ. فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ فَقَالَ: إنّ هَاتَيْنِ لَنَعْلَا ابْنِ سَعِيّةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ. فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ! فَسُرّ بِذَلِكَ.
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute