نَضْلَةَ: قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِيَ الْقَوْمَ بِيَوْمٍ رَأَيْت السّمَاءَ فُرّجَتْ لِي، فَدَخَلْت السّمَاءَ الدّنْيَا حَتّى انْتَهَيْت إلَى السّابِعَةِ، وَانْتَهَيْت إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَقِيلَ لِي:
هَذَا مَنْزِلُك. فَعَرَضْتهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النّاسِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ بِالشّهَادَةِ! فَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ.
وَحَدّثَنِي يَحْيَى بن عبد الله بن أبي قتادة، عن أُمّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: إنّي لَأَغْسِلُ رَأْسِي، قَدْ غَسَلْت أَحَدَ شِقّيْهِ، إذْ سَمِعْت فَرَسِي جَرْوَةَ تَصْهَلُ وَتَبْحَثُ بِحَافِرِهَا، فَقُلْت: هَذِهِ حَرْبٌ قَدْ حَضَرَتْ! فَقُمْت وَلَمْ أَغْسِلْ شِقّ رَأْسِي الْآخَرَ، فَرَكِبْت وَعَلَيّ بُرْدَةٌ لِي، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِيحُ: الْفَزَعَ! الْفَزَعَ!
قَالَ: وَأُدْرِكُ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو فَسَايَرْته سَاعَةً، ثُمّ تَقَدّمَهُ فَرَسِي وَكَانَتْ أَجْوَدَ مِنْ فَرَسِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي الْمِقْدَادُ- وَكَانَ سَبَقَنِي- بِقَتْلِ مَسْعَدَةَ مُحْرِزًا. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ لِلْمِقْدَادِ:
يَا أَبَا مَعْبَدٍ، أَنَا أَمَوْتُ أَوْ أَقْتُلُ قَاتِلَ مُحْرِزٍ. فَضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَوَقَفَ لَهُ مَسْعَدَةُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو قَتَادَةَ بِالْقَنَاةِ فَدَقّ صُلْبَهُ وَيَقُولُ:
خُذْهَا وَأَنَا الْخَزْرَجِيّ! وَوَقَعَ مَسْعَدَةُ مَيّتًا، وَنَزَلَ أَبُو قَتَادَةَ فَسَجّاهُ بِبُرْدَتِهِ، وَجَنّبَ فَرَسَهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ يُحْضِرُ فِي أَثَرِ الْقَوْمِ حَتّى تَلَاحَقَ النّاسُ.
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَلَمّا مَرّ النّاسُ وَنَظَرُوا إلَى بُرْدَةِ أَبِي قَتَادَةَ عَرَفُوهَا فَقَالُوا: هَذَا أَبُو قَتَادَةَ قَتِيلٌ! وَاسْتَرْجَعَ أَحَدُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا، وَلَكِنّهُ قَتِيلُ أَبِي قَتَادَةَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ بُرْدَتَهُ لِتَعْرِفُوا أَنّهُ قَتِيلُهُ. فَخَلّوا بَيْنَ أَبِي قَتَادَةَ وَبَيْنَ قَتِيلِهِ وَسَلَبِهِ وَفَرَسِهِ، فَأَخَذَهُ كُلّهُ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ أَخَذَ سَلَبَهُ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا وَاَللهِ! أَبُو قَتَادَةَ قَتَلَهُ، ادْفَعْهُ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute