للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: لَمّا أَدْرَكَنِي النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ وَنَظَرَ إلَيّ قَالَ: اللهُمّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ! وَقَالَ: أَفْلَحَ وَجْهُك! قُلْت: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: قَتَلْت مَسْعَدَةَ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا هَذَا الّذِي بِوَجْهِك؟ قُلْت: سَهْمٌ رُمِيت بِهِ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَادْنُ مِنّي! فَدَنَوْت مِنْهُ فَبَصَقَ عَلَيْهِ، فَمَا ضَرَبَ [ (١) ] عَلَيْهِ قَطّ. وَلَا قَاحَ. فَمَاتَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً، وَكَأَنّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. قَالَ: وَأَعْطَانِي يَوْمَئِذٍ فَرَسَ مَسْعَدَةَ وَسِلَاحَهُ، وَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَك فِيهِ!

حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ: لَمّا كَانَ يَوْمُ السّرْحِ أَتَانَا الصّرِيخُ، فَأَنَا فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَأَلْبَسُ دِرْعِي وَأَخَذْت سِلَاحِي، وَأَسْتَوِي عَلَى فَرَسٍ لِي جَامّ حِصَانٍ، يُقَالُ لَهُ النّجْلُ [ (٢) ] ، فَأَنْتَهِي إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ لَا أَرَى إلّا عَيْنَيْهِ، وَالْخَيْلُ تَعْدُو قِبَلَ قَنَاةَ، فَالْتَفَتَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا سَعْدُ امْضِ، قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى الْخَيْلِ حَتّى أَلْحَقَك إنْ شَاءَ اللهُ.

فَقَرّبْت فَرَسِي سَاعَةً ثُمّ خَلّيْته فَمَرّ يُحْضِرُ، فَأَمُرّ بِفَرَسٍ حَسِيرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ وَأَمُرّ بِمَسْعَدَةَ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَمُرّ بِمُحْرِزٍ قَتِيلًا فَسَاءَنِي، وَأَلْحَقُ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو، وَمُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ، فَأَحْضَرْنَا وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى رَهَجِ الْقَوْمِ، وَأَبُو قَتَادَةَ فِي أَثَرِهِمْ، وَأَنْظُرُ إلَى ابْنِ الْأَكْوَعِ يَسْبِقُ الْخَيْلَ أَمَامَ الْقَوْمِ يَرْشُقُهُمْ بِالنّبْلِ، فَوَقَفُوا وَقْفَةً وَنَلْحَقُ بِهِمْ فَتَنَاوَشْنَا سَاعَةً، وَأَحْمِلُ عَلَى حبيب بن عيينة


[ (١) ] ضرب الجرح: اشتد وجعه. (أساس البلاغة، ص ٥٥٨) .
[ (٢) ] فى ب: «النخل» .