قَطّ شَيْءٌ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، مَا زِلْت أَصُومُ وَأَتَصَدّقُ مِنْ الّذِي صَنَعْت مَخَافَةَ كَلَامِي الّذِي تَكَلّمْت يَوْمئِذٍ. فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ لِي عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ، وَذَكَرَ الْقَضِيّةَ: ارْتَبْت ارْتِيَابًا لَمْ أَرْتَبْهُ مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا يَوْمئِذٍ، وَلَوْ وَجَدْت ذَلِكَ الْيَوْمَ شِيعَةً تَخْرُجُ عَنْهُمْ رَغْبَةً عَنْ الْقَضِيّةِ لَخَرَجْت.
ثُمّ جَعَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَاقِبَتَهَا خَيْرًا وَرُشْدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ.
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ: جَلَسْت عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمًا، فَذَكَرَ الْقَضِيّةَ فَقَالَ: لَقَدْ دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ مِنْ الشّكّ، وَرَاجَعْت النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يومئذ مراجعة ما رجعته مِثْلَهَا قَطّ، وَلَقَدْ عَتَقْت فِيمَا دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ رِقَابًا، وَصُمْت دَهْرًا، وَإِنّي لَأَذْكُرُ مَا صَنَعْت خَالِيًا فَيَكُونُ أَكْبَرَ هَمّي، ثُمّ جَعَلَ اللهُ عَاقِبَةَ الْقَضِيّةِ خَيْرًا، فَيَنْبَغِي لِلْعِبَادِ أَنْ يَتّهِمُوا الرّأْيَ، وَاَللهِ لَقَدْ دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ مِنْ الشّكّ حَتّى قُلْت فِي نَفْسِي: لَوْ كُنّا مِائَةَ رَجُلٍ عَلَى مِثْلِ رَأْيِي مَا دَخَلْنَا فِيهِ أَبَدًا! فَلَمّا وَقَعَتْ الْقَضِيّةُ أَسْلَمَ فِي الْهُدْنَةِ أَكْثَرَ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ يَوْمِ دَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ الصّلْحَ، لِأَنّهُمْ خَرَجُوا لَا يَشُكّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه حَلَقَ رَأْسَهُ، وَأَنّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ، فَأَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، وَعَرَفَ مَعَ الْمُعْرِفِينَ! فَلَمّا رَأَوْا الصّلْحَ دَخَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتّى كَادُوا يَهْلِكُونَ. فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ اصْطَلَحُوا وَالْكِتَابُ لَمْ يُكْتَبْ، أَقْبَلَ أَبُو جَنْدَلِ بن سهيل، قد أفلت برسف فى القيد متوشّح السيف خلاله أَسْفَلُ مَكّةَ، فَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا حَتّى أَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُكَاتِبُ سُهَيْلًا، فَرَفَعَ سُهَيْلٌ رَأْسَهُ فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute