بِابْنِهِ أَبِي جَنْدَلٍ، فَقَامَ إلَيْهِ سُهَيْلٌ فَضَرَبَ وَجْهَهُ بِغُصْنِ شَوْكٍ وَأَخَذَ بِلَبّتِهِ وَصَاحَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ فَزَادَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ شَرّا إلَى مَا بِهِمْ، وَجَعَلُوا يَبْكُونَ لِكَلَامِ أَبِي جَنْدَلٍ.
قَالَ: يَقُولُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى لِمُكَرّزِ بْنِ حَفْصٍ: ما رَأَيْت قَوْمًا قَطّ أَشَدّ حُبّا لِمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ لِمُحَمّدٍ وَبَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ! أَمّا إنّي أَقُولُ لَك لَا تَأْخُذْ مِنْ مُحَمّدٍ نَصَفًا أَبَدًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ، حَتّى يَدْخُلَهَا عَنْوَةً! فَقَالَ مِكْرَزُ: أَنَا أَرَى ذَلِكَ. وَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا أَوّلُ مَا قَاضَيْتُك عَلَيْهِ، رَدّوهُ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ. فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاَللهِ لَا أُكَاتِبُك عَلَى شَيْءٍ حَتّى تَرُدّهُ إلَيّ.
فَرَدّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلًا أَنْ يَتْرُكَهُ فَأَبَى سُهَيْلٌ، فَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَحُوَيْطِبٌ: يَا مُحَمّدُ، نَحْنُ نُجِيرُهُ لَك. فَأَدْخَلَاهُ فُسْطَاطًا فَأَجَارَاهُ، وَكَفّ أَبُوهُ عَنْهُ. ثُمّ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنّ اللهَ جَاعِلُ لَك وَلِمَنْ مَعَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا! إنّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، وَأَعْطَيْنَاهُمْ وَأَعْطَوْنَا عَلَى ذَلِكَ عَهْدًا، وَإِنّا لَا نَغْدِرُ! وَعَادَ عُمَرُ إلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْت بِرَسُولِ اللهِ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقّ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ عَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ:
بَلَى. قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ: إنّي رَسُولُ اللهِ، وَلَنْ أَعْصِيَهُ وَلَنْ يُضَيّعَنِي. فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتّى جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنّهُ رَسُولُ اللهِ وَلَنْ يَعْصِيَهُ وَلَنْ يُضَيّعَهُ، وَدَعْ عَنْك مَا تَرَى يَا عُمَرُ! قَالَ عُمَرُ: فَوَثَبْت إلَى أَبِي جَنْدَلٍ أَمْشِي إلَى جَنْبِهِ. وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَدْفَعُهُ، وَعُمَرُ يقول: اصبر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute