يَعْنِي مَا كَانَ فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مِنْ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ.
كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ حَجَزَتْ بَيْنَ النّاسِ وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ، وَإِنّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَوْا، فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَآمَنَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ تَكَلّمَ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ، حَتّى دَخَلَ فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ صَنَادِيدُ الْمُشْرِكِينَ الّذِينَ يَقُومُونَ بِالشّرْكِ وَبِالْحَرْبِ- عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَشْبَاهٌ لَهُمْ، وَإِنّمَا كَانَتْ الْهُدْنَةُ حَتّى نَقَضُوا الْعَهْدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، دَخَلَ فِيهَا مِثْلُ مَا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ، وَفَشَا الْإِسْلَامُ فِي كُلّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْعَرَبِ.
وَلَمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَتَاهُ أَبُو بِصَيْرٍ- وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ [ (١) ] حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ- مُسْلِمًا، قَدْ انْفَلَتَ مِنْ قَوْمِهِ فَسَارَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَعْيًا، فَكَتَبَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ، وأزهر ابن عَبْدِ عَوْفٍ الزّهْرِيّ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا، وَبَعَثَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، اسْتَأْجَرَاهُ بِبَكْرٍ، ابْنِ لَبُونٍ- وَهُوَ خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ- وَخَرَجَ مَعَ الْعَامِرِيّ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كَوْثَرُ، وَحَمَلَا خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ عَلَى بَعِيرٍ، وَكَتَبَا يَذْكُرَانِ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ، وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ، فَلَمّا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَا بَعْدَ أَبِي بِصَيْرٍ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَقَالَ خُنَيْسٌ: يَا مُحَمّدُ، هَذَا كِتَابٌ! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَإِذَا فيه: قد عرفت ما شارطناك عليه،
[ (١) ] فى الأصل: «وهو أسيد بن حارثة» ، وما أثبتناه من البلاذري يروى عن الواقدي. (أنساب الأشراف، ج ١، ص ٢١١) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute