للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قال: كان لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فِيهَا عَشْرَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ، وَكَانَ مَتْجَرُهُمْ إلَى غَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ، وَكَانَتْ عِيرَاتُ بُطُونِ قُرَيْشٍ فِيهَا- يَعْنِي الْعِيرَ.

فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عون مولى المسور، عن مخرمة ابن نَوْفَلٍ، قَالَ: لَمّا لَحِقْنَا بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ عَرَضَ لِعِيرِنَا فِي بَدْأَتِنَا، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ رَجْعَتَنَا، قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ. قَالَ مَخْرَمَةُ: فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ، فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ يَقُولُ: لَمّا كُنّا بِالزّرْقَاءِ- وَالزّرْقَاءُ بِالشّامِ بِنَاحِيَةِ مَعَانَ مِنْ أَذْرِعَاتٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ- وَنَحْنُ مُنْحَدِرُونَ إلَى مَكّةَ، لقينا رجلا مِنْ جُذَامٍ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ فِي بَدْأَتِكُمْ فِي أَصْحَابِهِ. فَقُلْنَا:

مَا شَعَرْنَا! قَالَ: بَلَى، فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمّ رَجَعَ إلَى يَثْرِبَ، وَأَنْتُمْ يَوْمَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ مُخْفُونَ، فَهُوَ الْآنَ أَحْرَى أَنْ يَعْرِضَ لَكُمْ، إنّمَا يَعُدّ لَكُمْ الْأَيّامَ عَدّا، فَاحْذَرُوا عَلَى عيركم وارتأوا آراءكم، فو الله مَا أَرَى مِنْ عَدَدٍ، وَلَا كُرَاعَ، وَلَا حَلْقَةٍ. فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ، فَبَعَثُوا ضَمْضَمًا، وَكَانَ فِي الْعِيرِ، وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ مَرّتْ بِهِ وَهُوَ بِالسّاحِلِ مَعَ بُكْرَانِ لَهُ، فَاسْتَأْجَرُوهُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا. وَأَمَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يُخْبِرَ قُرَيْشًا أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لِعِيرِهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْدَعَ [ (١) ] بَعِيرَهُ إذَا دَخَلَ، وَيُحَوّلَ رَحْلَهُ، وَيَشُقّ قَمِيصَهُ مِنْ قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ وَيَصِيحَ: الْغَوْثَ! الْغَوْثَ! وَيُقَالُ إنّمَا بَعَثُوهُ مِنْ تَبُوكَ [ (٢) ] . وَكَانَ فِي الْعِيرِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ العاص، ومخرمة بن نوفل.


[ (١) ] جدع بعيره: قطع أنفه. (شرح أبى ذر، ص ١٥٣) .
[ (٢) ] تبوك: موضع بين الخجر وأول الشام على أربع مراحل من الحجر. (معجم البلدان، ج ٣، ص ٣٦٥) .