للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدّثُونَ قُعُودًا بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا رَأَتْ عَاتِكَةُ هَذِهِ! فَقُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ؟ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ أَنّهَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ كَذَا وَكَذَا- الّذِي رَأَتْ- فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ يَكُ مَا قَالَتْ حَقّا فَسَيَكُونُ، وَإِنْ مَضَتْ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ نَكْتُبْ [ (١) ] عَلَيْكُمْ أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ.

فَقَالَ: يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ، أَنْتَ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَاللّؤْمِ مِنّا! قَالَ أَبُو جَهْلٍ:

إنّا اسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ وَأَنْتُمْ فَقُلْتُمْ: فِينَا السّقَايَةُ! فَقُلْنَا: لَا نُبَالِي، تَسْقُونَ الْحَاجّ! ثُمّ قُلْتُمْ: فِينَا الْحِجَابَةُ! فَقُلْنَا: لَا نُبَالِي، تَحْجُبُونَ الْبَيْتَ! ثُمّ قُلْتُمْ: فِينَا النّدْوَةُ! فَقُلْنَا: لَا نُبَالِي، تَلُونَ الطّعَامَ وَتُطْعِمُونَ النّاسَ، ثُمّ قُلْتُمْ:

فِينَا الرّفَادَةُ! فَقُلْنَا: لَا نُبَالِي، تَجْمَعُونَ عِنْدَكُمْ مَا تَرْفِدُونَ بِهِ الضّعِيفَ! فَلَمّا أَطْعَمْنَا النّاسَ وَأَطْعَمْتُمْ، وَازْدَحَمَتْ الرّكْبُ، وَاسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ، فَكُنّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، قُلْتُمْ: مِنّا نَبِيّ! ثُمّ قلتم: منا نبيّة! فلا واللّات والعزى، لا كان هذا أبدا! قال: فو الله، مَا كَانَ مِنّي مِنْ غِيَرٍ إلّا [ (٢) ] أَنّي جَحَدْت ذَلِكَ، وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ عَاتِكَةُ رَأَتْ شَيْئًا. فَلَمّا أَمْسَيْت لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ أَصَابَتْهَا وِلَادَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا جَاءَتْ، فَقُلْنَ: رَضِيتُمْ بِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ يَقَعُ فِي رِجَالِكُمْ، ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ نِسَاءَكُمْ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، وَلَمْ يَكُنْ لَك عِنْدَ ذَلِكَ غَيْرَةٌ؟ قَالَ: وَاَللهِ مَا فَعَلْت إلّا مَا لَا بَالَ [ (٣) ] بِهِ. وَاَللهِ لَأَعْتَرِضَن لَهُ غَدًا، فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيكُمُوهُ. فَلَمّا أَصْبَحُوا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الّذِي رَأَتْ فِيهِ عَاتِكَةُ مَا رَأَتْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا يَوْمٌ! ثُمّ الْغَدُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَانِ يَوْمَانِ! فَلَمّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ، مَا بَقِيَ!


[ (١) ] فى ت: «يكتب عليكم» ، بالبناء للمجهول.
[ (٢) ] فى ب، ت: «ما كان منى غير إلا أنى» ، وفى ح: «ما كان منى غير أنى» .
[ (٣) ] فى ح: «إلا لأنى لا أبالى به» .